المملكة تقود نهضة اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة يحتاجها العالم الذي ملّ من الحروب والانقلابات العسكرية والأحزاب الدينية والقومية المؤدلجة بكل انتماءاتها ومسمياتها.. نهضة المملكة أساسها القيادة المخلصة والشعب المتعلم الوفي، والميزات النسبية والمطلقة للمملكة..

على غرار معجزة نهر الراين في ألمانيا، ومعجزة نهر الهان في كوريا لجنوبية، التي تصف نهضة كل من البلدين بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب الكورية، يلوح في الأفق العربي معجزة تنموية كبيرة بدأت تتضح ملامحها على أكثر من صعيد.

في كل من ألمانيا وكوريا الجنوبية نهضت الدولتان كطائر العنقاء من بين ركام الحرب والفقر والبطالة، إلى القوة الاقتصادية والصناعية والرخاء وجودة الحياة. ركزت تلك الدولتان على عناصر كثيرة من أهمها جودة التعليم، والصرف بسخاء على الأبحاث والتطوير، ومكافحة الفساد، والتركيز على التصدير، وأهمها جميعاً القيادة القوية التي تمتلك الإرادة للبناء والتقدم، كل ذلك جعل النتائج مبهرة، وتضاعف الناتج المحلي لكوريا الجنوبية 1500 مرة منذ الستينات. والأمثلة كثيرة قبل كوريا وبعدها. خُطى التقدم واضحة، والرحلة ممتعة رغم صعوبتها.

اليوم يقود ولي العهد الأمير محمد مهندس الرؤية وراعيها معركة طويلة وشاقة لبناء دولة عصرية تمتلك كل أسباب القوة وأهمها الاقتصاد الكلي، والتخلص من إدمان المصدر الواحد الذي لا جهد فيه ولا تعب. مصدر ناضب ويخضع لتقلبات السوق والعرض والطلب. ويقود معركة شرسة ضد الفساد المالي والإداري، والذي ما حل في بلد إلا وحل معه الفقر والبطالة وتدني الخدمات. ومعركة ضد الانغلاق والسيطرة على عقول الناس وتصرفاتها، والمرأة وتحركاتها. معارك على أكثر من جبهة، يخوضها لصنع مستقبل أفضل، له صفة الديمومة والنماء.

هذه النهضة المباركة ستزدهر وتتقدم بكل ثقة يعززها التركيز على الجوانب الآتية.

أولاً: هذا الشعب الذي راهن عليه الأمير محمد وقال فيه: "شبابنا واع وقوي ومثقف ومبدع ولديه قيم عالية، ولديه طموح كبير، فهمته مثل جبل طويق.. لن تنكسر إلا إذا تساوى هذا الجبل مع الأرض". هذا الشعب لم يخيب أمل قائده، وقد ترجم ما تمر به المملكة من تقدم وتغيير في سلوكه أثناء مباريات كأس العالم في قطر، لقد بهر الجميع بحسن تصرفه ومرحه، وأشاع جواً من الدعابة والنكتة انتقلت عدواها الجميلة إلى بقية جماهير الدول المشاركة. وسيزداد عطاءً هذا الشعب الوفي حين نركز أكثر على الفئات الأقل دخلاً في كل مناطق المملكة، فنجعل من الضمان الاجتماعي محطة للخروج من الفقر لا البقاء فيه. وأن نجعل في كل حيّ أو أحياء مدرسة مثالية ومستوصف فيه جميع خدمات الرعاية الصحية، وحديقة كبيرة تتوسط الأحياء كرمز على جودة الحياة، ورئة تكافح التلوث، حدائق يجد فيها الكبير والصغير ما يسعده ويملا وقته بالمرح والمزيد من الصحة.

ثانياً: "لا توجد طرق مختصرة" يجب أن يكون عنواننا لكل بناء أو مشروع حضاري. فكوريا الجنوبية على سبيل المثال بدأت في ستينات القرن الماضي بإصلاح التعليم أولاً، وإصلاح التعليم يقتضي التركيز على المعلم والطالب قبل أي شيء آخر، ومهما صدر من قرارات وتعيينات أو تعديل في المناهج فليست سوى عوامل مساعدة، فالأساس هو المعلم الذي سينفذ المقرر، والطالب الذي من أجله وجدت المدرسة، وهذا يتطلب الاهتمام الخاص بهذين العنصرين، بدءاً بحسن الاختيار ثم التأهيل، ورفع الروح المعنوية للمعلم، وتحديد عدد الطلبة في كل فصل بحيث لا يتجاوز العشرين طالباً ما أمكن ذلك. وهذا ما نجحت فيه فنلندا لتصبح الدولة الأولى في جودة التعليم. أما العنصر الثاني الذي مكن كوريا الجنوبية من الخروج من أسفل القائمة إلى الدول الغنية العشرين فهو الأبحاث والتطوير والابتكار، والصرف عليها بسخاء وربط الجامعات والدعم الحكومي بالقطاع الصناعي ليكون التصنيع والتصدير هما الهدف.

ثالثاً: حكمة "لا توجد طرق مختصرة" يجب أن تطبق على كل نشاط نريد التميز فيه على مستوى العالم، ومنه الرياضة التي أصبحت من أكثر القوى الناعمة تأثيراً، ومنها المسابقات الأولمبية كما رأينا في كأس العالم في قطر. علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن يكون البناء بطرق علمية، وبمدربين متمكنين من دول متقدمة، وبمنشآت ومعاهد لمختلف الأعمار ولا نستثني من ذلك ذوي الإعاقة من مختلف الأعمار. القوة الناعمة موجودة في الرياضة والسياحة، وفي الحج والعمرة، وفي الثورة الخضراء التي تقودها المملكة.

المملكة تقود نهضة اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة يحتاجها العالم الذي ملّ من الحروب والانقلابات العسكرية والأحزاب الدينية والقومية المؤدلجة بكل انتماءاتها ومسمياتها.. نهضة المملكة أساسها القيادة المخلصة والشعب المتعلم الوفي، والميزات النسبية والمطلقة للمملكة. اليوم تسعى السعودية جاهدة لصداقة الجميع، وجعل العالم مكاناً أفضل للجيل الحالي وأجيال المستقبل، ولذا تركز على السلام والتعاون، وتوفير الطاقة النظيفة، والبيئة الصحية وجودة الحياة.