إنّ اللهو واللعب حين ينظم ويخلق فرصًا لتجديد الثقافات، وتلاقح التجارات، وتحسين العلاقات، فإن ذلك شيء مرغوب به، وأما ما قد يرافق ذلك من شوارد انتقادية، فهي داخلة في الآراء السائغة الطرح..
لم أهتدِ من أين أبدأ، وبأي أسلوب أعبر عن سعادتي كأي مواطن سعودي على الأخص، وكأي عربي عمومًا بفوز منتخبنا السعودي في مباراته الأولى في كأس العالم على منتخب الأرجنتين، ولكني سأقول الحمد لله أولًا وآخراً على التوفيق لهذا الفوز، فلم تعد الرياضة مجرد لهو ولعب، بل أصبحت وبالأخص كرة القدم جزءًا رئيسًا ومؤكدًا من ثقافات واقتصادات الشعوب، فنقول مبارك أولاً لصانع الأهداف الأول، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -، فقد أصاب الهدف حين وضع عن الفريق ثقل حمله بتلك الكلمة العميقة في دلالتها، المحيطة بواقعها، فأزاح عنهم هماً وأشعل في نفوسهم همة فاستمتعوا وأمتعوا.
الرياضة هي انعكاس للصورة العامة التي ترسمها قيادات المملكة عن الوطن على كل الأصعدة، فهي ثمرة للاستقرار الاجتماعي، ومؤشر لاتزان التوجه الحيوي النشط لأجيالنا وشبابنا.
ثم شكرًا للجماهير السعودية والعربية وكل الجماهير على رقي المؤازرة، وحسن الحضور والتشجيع، وهو الأمر الذي يُنبئ عن ثقافة رياضية قادمة، تتسم بها الجماهير العربية توازي وتفوق تلك الجماهير التي اشتهرت بالتنظيم والإمكانات الفنية، فالجماهير السعودية في هذه البطولة لكأس العالم قد أعادت للحماسة الرياضية رونقها، وأبهجت الحاضر والمشاهد بجمال أهازيجها، وروعة تغاريدها، ولعل ذلك كان الحافز الكبير الذي يستمد منه اللاعبون ثقتهم، ويحافظون به على ثبات مهاراتهم، ويتفننون به بتسجيل أهدافهم، ويزدادون به ألقًا وعطاءً، وقد كان ذلك في الميدان شيئًا صادمًا ومفاجئًا للفريق الأرجنتيني، بما يحويه من نجوم ومشهورين، فقد خطف منتخبنا السعودي الكبير الأضواء منهم، وتركهم يعيشون أصعب دقائق حياتهم الرياضية المليئة بالانتصارات والبطولات، إلا أنهم وجدوا منتخبًا كبيرًا، ونجومًا عمالقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولو كنت معلقًا رياضيًا في تلك اللحظات فلن يحضرني سوى قول القائل:
إن كنت ريحًا فقد لاقيتَ إعصارا
وإن كان هذا الفوز والأداء مفاجئًا وصادمًا للفريق الخصم، فإنه ليس مستغربًا ولا مفاجئًا بالنسبة للجماهير السعودية والعربية، لما يعلمونه من إمكانات يتمتع بها المنتخب السعودي وإن لم يحالفه الحظ في بعض البطولات، إلا أن سجله مليء بالإنجازات والبطولات، كما أنه غني عن التعريف بما خلد به في الملاعب العربية والآسيوية والعالمية من نجوم لا يسعنا الآن عدهم وحصرهم.
وحيث نحن مشاركون للمنافسة وبقوة في هذا المحفل والحدث الرياضي العالمي، فإن العالم ينظر إلينا من زاوية نحن فيها نمثل الواجهة الرئيسة للإسلام والمسلمين، فكما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -: "ليعلم يهود أن في ديننا فسحة".
إن اللهو واللعب حين ينظم ويخلق فرصًا لتجديد الثقافات، وتلاقح التجارات، وتحسين العلاقات، فإن ذلك شيء مرغوب به، وأما ما قد يرافق ذلك من شوارد انتقادية، فهي إما داخلة في الآراء السائغة الطرح، أو أنها قد وضعت في تراتيب الإصلاح المزمن، والأهم من ذلك كله، هو كيف نجعل الحدث نقطة تلاقٍ بين الشعوب، وطريقًا مليئًا بالإنجازات لتمر الأجيال من خلاله، فترى ماذا صنعنا لهم، وماذا حققناه من بوابة الرياضة؟!
مرّة أخرى نبارك هذا الفوز للقيادة الرشيدة والجماهير المخلصة، ونبارك بالأخص لمنتخبنا السعودي الذي نتمنى أن يسعدنا أكثر وأكثر بأدائه ونتائجه في اللقاءات المقبلة.
كما لا ننسى أن نبذل دعواتنا، ونبتهل إلى الله بأن يشفي (الكابتن) ياسر الشهراني الذي جسد الروح الدفاعية الصلبة ليحافظ على استمرار الفوز واستدامة فرحة وسعادة الجماهير، فقدر الله وما شاء فعل، ونسأل الله أن يمن عليه بالشفاء العاجل، ونراه يصول ويجول في ملاعب كرة القدم، وفي ساحات بناء هذا الوطن المحروس.
ولعل هذا المقال ينشر بعد مباراتنا الثانية، ومهما كانت نتيجتها، فإن صدى تلك الكلمة ينبغي أن يبقى مترددا في أسماعنا فاستمتعوا.. هذا، والله من وراء القصد.
التعليقات