أخطأ صانعو السياسات النقدية في الولايات المتحدة في تقدير نمو التضخم، فكانت قرارات تشديد السياسات النقدية قاسية وسريعة؛ من أجل السيطرة على التضخم، وهذه السياسات التشددية سوف يكون لها آثار سلبية على نمو الاقتصادات إن لم تتسبب في انكماش وقد تصل إلى الركود، في العام الماضي وبعد انقشاع الضبابية عن الاقتصاد العالمي التي خلفتها أزمة كوفيد 19 عاد نمو الاقتصادات وحدثت فجوة بين العرض والطلب ما تسبب في ارتفاع سريع لمستويات التضخم، الفيدرالي الأميركي في منتصف العام السابق عبر عن عدم قلقه من ارتفاع التضخم وذكر أنه تضخم عابر، ليكتشف في بداية هذا العام أن تقديراته كانت خاطئة ولو أنه تخلى عن سياسة التيسير الكمي عند بداية صعود معدلات التضخم ربما لا يصل إلى المستويات الحالية التي جعلت التعامل معه أصعب وقد تؤدي السياسات التشددية إلى نتائج سلبية على الاقتصاد العالمي لسنوات مقبلة، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية زادت الوضع تعقيدا.
الاقتصاد السعودي حتى الآن لم يتأثر بهذه الأزمة بل تمكن من السيطرة على مستويات التضخم عند 3 % وهي الأقل بين مجموعة العشرين، المبادرات الحكومية لا شك أنها ساهمت في كبح نمو التضخم ولعل أهم المبادرات هي تحديد سقف أعلى لأسعار البنزين وتحمل الدولة فرق التسعير، هذه المبادرة تكمن أهميتها في أن معظم الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية مرتبطة بأسعار الوقود وأي ارتفاع فيها سوف يتسبب في ارتفاع البنود الأخرى التي يتم قياسها في مؤشر التضخم، أما المبادرة الأخرى هي دعم المواد الغذائية الأساسية، في عام 2000 سجل الاقتصاد السعودي نموا سلبيا في معدلات التضخم عند (1.3 %) بينما بلغ معدل نمو الاقتصاد 5.6 % في حين وصل معدل الريبو في ذات العام إلى 7 % نفس السيناريو، يتكرر هذا العام فمعدل الريبو 4.75 % وقد يرتفع في ديسمبر إلى 5.25 %، بينما الاقتصاد السعودي ينمو بأسرع وتيرة والتقديرات تشير إلى نمو في نهاية العام بنسبة 9 % مع معدلات تضخم هي الأقل بين مجموعة العشرين، الاقتصاد السعودي لم يكن بحاجة إلى رفع أسعار الفائدة لولا ارتباط الريال بالدولار، القطاع الخاص لا شك أنه سوف يتأثر سلبا بأسعار الفائدة المرتفعة، حيث سجلت أسعار الفائدة بين البنوك السعودية (سايبور) 5.64 % لثلاثة أشهر في نهاية الأسبوع الماضي ما يعني أن تكلفة الإقراض سوف تصل إلى أكثر من 7 %، وهذا من شأنه تقليل هوامش الربحية وهذا التأثير سوف يطال الشركات التي لديها مديونيات عالية ولم تتحوط لارتفاع أسعار الفائدة، أما بقية الشركات سوف يكون التأثير عليها محدودا وإن تمكنت من زيادة مبيعاتها سوف يتلاشى تأثير تكلفة التمويل.
سوق الأسهم السعودي تأثر سلبا بما يحدث في الاقتصاد العالمي أكثر من المؤشرات العالمية التي تقع في صلب الأزمة، وعند مقارنة تاسي مع المؤشرات الرئيسة منذ بداية شهر أغسطس الماضي عند أول رفع للفيدرالي أسعار الفائدة بـ 75 نقطة أساس نجد أن مؤشر الداو ارتفع حتى نهاية الأسبوع الماضي بنحو 6 %، أما مؤشر الفوتسي البريطاني ارتفع 2 %، ومؤشر داكس الألماني ارتفع 14 %، ومؤشر كاك الفرنسي ارتفع 9 %.. بينما مؤشر السوق السعودي (تاسي) تراجع بنحو 9 %، النسبة الأعلى من التراجع حدثت خلال شهر نوفمبر الحالي الذي شهد إعلان أرباح الشركات عن الربع الثالث بنمو 32 % على أساس سنوي، وميزانية الدولة حققت فائضا بنحو 149 مليار ريال، والبيان التمهيدي لميزانية عام 2023 والعامين التي تليها أظهرت ارتفاع حجم الإنفاق أكثر من 1.1 تريليون ريال، في هذا الشهر أيضا أعلن عن تراجع التضخم في الاقتصاد السعودي لأول مرة هذا العام، في هذا الشهر صدر تقرير البطالة بين السعوديين التي تراجعت إلى 9.7 %، ما يعني زيادة الإنفاق الاستهلاكي، في هذا الشهر توفرت فرص استثمارية جيدة لبعض الشركات استفاد منها المستثمرون الأجانب، حيث تجاوز صافي مشترياتهم 2 مليار ريال في العشرة الأيام الأولى فقط، هذه الحركة السلبية للسوق السعودية أظهرت انفصالها عن واقع الاقتصاد السعودي وتؤكد أن أغلب المستثمرين يتخذون قراراتهم تحت التأثير العاطفي مع سلوك استثماري غير ناضج لا يستطيع تقييم السوق بناء على المقومات القوية التي تدعم السوق السعودي.
التعليقات