منذ أن أطلق الأمير محمد رؤيته «2030» لما ستكون عليه المملكة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وجودة الحياة، والبلد في حراك لا يتوقف، وتحول مستمر، وورشة عمل في أكثر من مكان ومجال، كل في تخصصه ومسؤولياته، فبرامج الرؤية مستمرة، والأهداف واضحة..

بناة العالم وموحدو الأمم ومغيرو التاريخ قادة استثنائيون، لديهم همم عالية، وأحلام واسعة، وأهداف بعيدة، والأعمال الكبيرة التي غيرت العالم بذل فيها جهود توازي أهميتها، جهود مضنية وإرادة قوية ومتابعة مستمرة، يقوم بها رجال يؤمنون بها، وفي سبيلها يتحملون المصاعب، يقول شاعر الحكمة المتنبي:

إذا كانت النفوس كباراً .. تعبت في مرادها الأجسام

توحيد المملكة بمساحاتها الشاسعة على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، لم تتهيأ له على طبق من ذهب، بل جاءت بعد حروب ومعارك طاحنة، وتضحيات جسيمة خاضها الملك عبدالعزيز ورجاله بكل شجاعة وإيمان، قائد استثنائي تحلى بأهم صفات القيادة وهي الشجاعة والشدة في المواقف التي تتطلبها، والعفو والتسامح في سبيل الألفة والأمن والبناء لمن يستحقه، واليوم تتهيأ الظروف لحفيده الأمير محمد بن سلمان ليكمل المسيرة، ويأخذ المملكة إلى آفاق واسعة من التقدم والرخاء، ولتصبح في مصاف الدول القوية والغنية والمستقرة، يستمد خبرته من ملك حكيم ومجرب، ويعتمد في مصدر قوته على الله، ثم على شعب أبيّ طموح ومتعلم، ووطن يمتلك كل مقومات القوة، لتتوج كل هذه الجهود بدولة حديثة مستقرة، ذات اقتصاد قوي، ومنزلة تستحقها بين الأمم.

ومنذ أن أطلق الأمير محمد رؤيته "2030" لما ستكون عليه المملكة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وجودة الحياة، والبلد في حراك لا يتوقف، وتحول مستمر، وورشة عمل في أكثر من مكان ومجال، كل في تخصصه ومسؤولياته، فبرامج الرؤية مستمرة، والأهداف واضحة وبدأ بعضها يتحقق، ولم يكتف بذلك بل أطلق أكثر من مبادرة على مستوى المملكة وخارجها، ومن أهمها المبادرة الخضراء لزراعة 50 مليار شجرة في العالم العربي وشمال أفريقيا، منها عشرة مليارات شجرة داخل المملكة.

لكن كيف ستتم زراعة هذا العدد من الأشجار والشجيرات في بلد صحراوي كالمملكة؟ البعض يرى استحالة ذلك، لكن المستحيل ليس ضمن قاموس كلمات مطلق المبادرة، ومن أجل تحقيق هذا الحلم وُضعت خارطة طريق طويلة الأجل، ومن أهمها رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30 % من أراضي المملكة، وتحويل المدن إلى بيئات صحية بإكثار الحدائق والمحميات من حولها، ومما سيسهم في إنجاح هذه المبادرة ما يأتي:

أولاً: ضرورة بذل الجهد المضاعف من كل مواطن للإسهام في تحقيق هذه المبادرة، ويجب أن يعي المواطنون أن هذا المشروع الحضاري لا يستهدف هذا الجيل فقط، لكنه للأجيال القادمة، فما يجري في العالم من تغييرات مناخية وتدهور في البيئة لن ينفع معها إلا عمل جماعي تكون الشجرة، وتقليل الانبعاثات الضارة عنوانه وأهم أهدافه، وهذا يتطلب حملات على مستوى التعليم والإعلام وجميع وسائل التواصل الإلكترونية، وعي الإنسان بأهمية ما تمر به المملكة من تحولات، ومنها الاهتمام بالشجرة يضمن المحافظة على الغطاء الحالي، والتعاون في سبيل إكثاره وزيادة مساحاته الخضراء، الإنسان هو الأهم ويجب أن نهيئه ليكون لاعباً رئيساً في تحقيق هذا المشروع العظيم.

ثانياً: لا يزال بعض المسؤولين في أمانات المدن والبلديات غير مدركين لأهمية الشجرة، فأكثر الشوارع الداخلية بدون تشجير، وبعض الحدائق تخلوا من أشجار البيئة، ويكتفى بالنجيل والشجيرات الصغيرة، وأحياناً تكون أشجار نخيل مكلفة في الصيانة وتستهلك كميات كبيرة من المياه وتحتل مساحة كبيرة من الرصيف الذي يجب أن يخصص لرياضة المشي. وحين سألت أحد رؤساء البلديات عن السبب في عدم زراعة الأشجار في الحديقة أجاب: تسقط أوراق كثيرة على الأرض، متناسيا فوائدها الكثيرة، والحاجة القصوى لها، فمن المهم للغاية تهيئة رؤساء البلديات ومهندسيها وكل مسؤولي الوزارات للمساهمة في تنفيذ مبادرة عشرة مليارات شجرة.

ثالثاً: لا تزال أكثر المدارس وساحات المساجد خالية من الأشجار، وكذلك الكثير من أرصفة منازل المواطنين، وأعتقد أنه يجب أن يصدر نظام يلزم صاحب كل بيت لديه رصيف أن يغرس ما يكفي من الأشجار لمقاومة التلوث الذي تسببها المركبات التي يمتلكها صاحب المنزل، وكل مركبة بحاجة إلى حوالي سبع شجرات للتعامل مع ما تنفثه المركبة من سموم. لا بد من إصدار نظام يوقع الغرامة على كل من يزيل شجرة دون إذن رسمي حتى لو كانت داخل بيته، وهذا هو المعمول به في كثير من الدول.

رابعاً: وزارة النقل لديها مساحات شاسعة على جانبي الطرق السريعة وداخل سياج يمنع التعدي عليها، لكن وللأسف تعمل الجرافات ليل نهار لإزالة الشجيرات الحولية التي تثبت التربة، مع أن الواجب إكثارها وزراعة أشجار من البيئة داخل السياج لتكون ظلاً وجمالاً وصحة.

المبادرات النوعية تتوالى، والاهتمام بجودة الحياة له الأولوية، والعمل الجماعي مطلوب لإنجاح المبادرات الكبيرة، فلا يكفي أن يكون القائد حالماً وصاحب رؤية، بل لا بد من توعية الجميع.