شركة الجوف الزراعية من أنجح الشركات الزراعية في المملكة؛ ذلك أنها وفقت ومنذ بداياتها باختيار مديرين أكفاء ومخلصين، وتم اختيار المكان والأشجار المناسبة للمنطقة، واعتمدوا على التقنية والمكننة لزيادة المحصول وتقليل التكاليف، وإيجاد دورة كاملة من الزراعة تبدأ من المشاتل وزراعة الأشجار وريها، ثم الجني والتصنيع والتسويق..

على ارتفاع سبعة وثلاثين ألف قدم، وفي الطريق إلى منطقة عزيزة علينا جميعاً نظرت من نافذة الطائرة، لأرى الصحاري الشاسعة والجبال العالية وسلاسل الرمال الممتدة. تذكرت كفاح الأجداد والآباء وتضحياتهم في سبيل توحيد هذ الكيان، تذكرتهم ودعوت لهم ولقائدهم الملهم الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وكل الرجال الذين التفوا حوله ودعموه وآزروه، فكانت النتيجة هذه الدولة التي نفخر بها جميعاً، وهذا الوطن الذي نرفل فيه بالأمن والرخاء.

كنا في طريقنا لمنطقة الجوف في رحلة شتوية تجمع عددا من الزملاء. يُختار لها في كل عام منطقة من مناطق المملكة، ويتم الإعداد لها بدقة لتجمع بين المتعة والفائدة، كانت في العام الماضي في الأحساء وقبلها في جازان، وأحياناً تكون في مخيم في الصحراء بقرب معالم أثرية أو تكوينات جيولوجية مختلفة. رحلة هذا العام إلى منطقة الجوف، ورغم قصرها كانت مليئة بالزيارات والمشاهدات وحضور منتدى علمي. بدأت الرحلة بزيارة بسيطا بمزارعها الشاسعة وأشجار الزيتون والخضار والفواكه. فمن محمية خاصة بها مختلف أنواع الحيوانات البرية إلى أكبر مزرعة زيتون في العالم تمتلكها شركة الجوف الزراعية. وفي الطريق من بسيطا إلى سكاكا عاصمة الجوف مروراً بدومة الجندل توقفنا عند أكثر من موقع أثري. وفي المساء حظينا بسهرة فنية تخللتها العرضة والسامري، ثم العشاء على صوت الربابة الشجي الذي صاحب البدوي في صحرائه، والعاشق المتيم في وحدته. صوت يعيدك سنوات بعيدة إلى الكثير من الذكريات الجميلة.

في صباح اليوم التالي عُقد منتدى الأمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية في دورته السادسة عشرة، وكان موضوع هذا العام "الأمن الغذائي" برعاية أمير الجوف صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز، وحضور وكيل الإمارة الأستاذ حسين بن محمد آل سلطان، ومشاركة نخبة من المختصين والمهتمين بالأمن الغذائي من الرجال والنساء. ومن كل ما سبق نستخلص الدروس والتوصيات الآتية:

أولاً. شركة الجوف الزراعية من أنجح الشركات الزراعية في المملكة؛ ذلك أنها وفقت ومنذ بداياتها باختيار مديرين أكفاء ومخلصين، وتم اختيار المكان والأشجار المناسبة للمنطقة، واعتمدوا على التقنية والمكننة لزيادة المحصول وتقليل التكاليف، وإيجاد دورة كاملة من الزراعة تبدأ من المشاتل وزراعة الأشجار وريها، ثم الجني والتصنيع والتسويق، شركة الجوف الزراعية مثال يحتذى في جودة المحصول والزراعة العضوية، وهذا هو ما يفتقر إليه مزارعو التمور وغيرهم من المزارعين الذين ليس لديهم الإمكانات ليقوموا بكل ما سبق من الأدوار وخصوصاً الإرشاد والتسويق.

وفي الإيجاز الذي قدم لنا لم يتطرق المتحدث إلى الأبحاث والتطوير، وما يخصص لها من نسبة الأرباح، كما هو في جميع الشركات الناجحة، كما لم يتطرق لنسبة المواطنين في الشركة وتخصصاتهم، وهذا من أهم واجبات الشركات الكبيرة، وهو بناء العنصر البشري من الشباب الذي سيأخذ على عاتقه استمرار تطوير الشركة ونموها وزيادة أرباحها. فالوافد يعمل ويكسب الخبرة ثم يغادر إلى بلده ومعه كل ما كسبه من خبرات وتجارب. وأعتقد أن الخلل موجود بسبب نظام التوطين الذي يحتسب نسبة السعودة دون النظر إلى إحلال المواطن وتدريبه ومواصلة تأهيله واستقطابه لأطول مدة ممكنة. وهذه الثغرة في التوطين موجودة لدى معظم الشركات والمؤسسات الخاصة.

ثانياً. منتدى الأمن الغذائي تطرق لمواضيع كثيرة وخرج بتوصيات جميلة آمل أن تجد طريقها للتنفيذ. تطرق المتحدثون إلى جهود المملكة في هذا الصدد، حيث أصبح العمل يتم بشكل جماعي وتنسيق بين كل الجهات المعنية وحسب برامج الرؤية وأهدافها، وتم التطرق للأمن المائي وارتباطه بالأمن الغذائي، والتوعية للحد من الهدر الغذائي، وضرورة الاستفادة من مياه البحر والتحلية، وتدوير المياه، واستخدام التقنية لمضاعفة المنتج وتعظيم قيمته.

ثالثاً. يعد مركز عبدالرحمن السديري الثقافي مثالا يحتذى في خدمة العلم والثقافة، ومن أنشطته إصدار مجلة متخصصة ومحكمة، وإصدار الكتب التي لها علاقة بمنطقة الجوف والغاط، وتشجيع الأبناء على التحصيل. وتوعية المجتمع من خلال إقامة المحاضرات والدورات المختلفة.

رحلة جميلة حبذا لو تتبنى المدارس والجامعات تنظيم رحلات مشابهة لفوائدها الكثيرة، منها التعريف بمنجزات الوطن، ودعم السياحة الداخلية، وتعويد الطلبة على تنظيم هذه الرحلات وإدارتها تحت إشراف المعلمين والمعلمات. بارك الله بجهود كل المخلصين لهذا البلد المعطاء، ووفق الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي يقف خلف هذا الحراك الجميل على مستوى الوطن.