معظم القضايا، مؤخرًا، تنبت من حسابات مشاهير المنصات الرقمية. أغلبها من خلال المحتوى المقدم، وبعضها لحيواتهم الشخصية، بكل ما تحمل من جدل. وكل ذلك يصب فيما يعرف بـ(اقتصاد الانتباه)، أحد فروع الاقتصاد الحديثة، التي تتعامل مع انتباه الفرد على أنه سلعة ذات قيمة، وأحد الموارد التي يجب الاهتمام بها والاستفادة منها.

ما يحدث لدينا مع المشاهير أظنه -وهو تقدير شخصي- أكثر مما هو موجود في الغرب، أو على الأقل لا يحظى بنفس الاهتمام أو الثقة هناك. أعزو سبب الفرق إلى وجود صحف التابلويد لديهم منذ وقت طويل، وفيها وعبرها يتم إشباع الفضول المجتمعي الكبير.

تعرف صحف التابلويد، أو "الصحافة الصفراء"، بأنها أسلوب صحافة يركز على القصص المثيرة وشائعات المشاهير ونجوم الرياضة والترفيه، ووجهات النظر السياسية المتطرفة، وأخبار الوجبات السريعة والتنجيم، وغيرها من المواضيع. بدأت تقريبًا عام 1770، وتظهر الدراسات أن مستهلكي الصحف الصفراء هم في المتوسط أقل تعليمًا، غالبًا.

المستهلكون، الذين لا يدركون الفرق بين الصحافة الرصينة والصفراء؛ غالبًا ما يتعاملون معها كمصادر موثوقة. الفرق يكمن في كون "الصحافة التقليدية مبنية على حقائق موضوعية وحيادية للمصلحة العامة، في حين تركز صحافة المشاهير على العاطفة والمصلحة الخاصة، وتهدف إلى الترفيه في المقام الأول".

معايير الصحافة لدينا صارمة، وتعكس المعايير المجتمعية -في وقت سابق على أقل تقدير- لذلك كانت جادة، وقلَّمت من فرص وجود صحافة تهدف إلى الانتشار، بغض النظر عن الحقيقة.

حاولت الصحافة الشعبية في التسعينيات لعب دور التابلويد نوعا مًا، إلا أنها انحصرت أكثر في الشعر الشعبي؛ مما حدَّ من نجاحها في هذا الدور. ولا يمكن تجاهل دور المجلات تحديدًا في أن تكون مصدرًا مهمًا لأخبار مشاهير تلك المراحل، بكل ما تحمل من سجالات وتراشق إعلامي وشعري.

لاحقًا أشرقت شمس الصحيفة الشبابية بالمقاسات التابلويدية، لتضع أولوية المواد للرياضة والشباب والترفيه، لكنها لم تدم طويلاً، حتى شاخت لتصبح بمقاسات تقليدية، قبل أن تغرب إلى الأبد.

عودة إلى الفكرة الأولى، أصبح لدى المشاهير (الناس) مساحتهم الكاملة في المنصات والمحتوى، واختاروا أن يصنعوا صحافة صفراء، بأدوات حديثة وبلغة تشبه المرحلة، وتشبع كل الفضول القديم.

ما يهم أن المعايير المجتمعية في فكرة المسموح والممنوع اختلفت مع الوقت وتطور الوسائل. كما أن محتوى الصحافة الصفراء يقوم –بالضرورة- على التفاعل والاستهلاك، فكلما كان مطلوبًا زاد الإنتاج والعرض.

والأهم أن كل القصص وقتية، تموت بميلاد قصة جديدة. ربَّما تموت الطرق الحالية بولادة طرق أحدث، لكن الفضول لا يموت إطلاقًا. والسلام..