أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الأسبوع الماضي تقرير عن تقديراتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمجموعة العشرين لعامي 2022 و2023 وتصدرت المملكة العربية السعودية مجموعة العشرين كأعلى نمو اقتصادي، حيث تتوقع المنظمة أن ينمو الاقتصاد السعودي هذا العام بنسبة 9.9 % أما في العام المقبل فتتوقع أن ينمو بنسبة 6 % وهو الأعلى أيضا على مستوى مجموعة العشرين وهذا بلا شك نجاح كبير للسياسات الاقتصادية السعودية التي عبرت بالاقتصاد السعودي بكفاءة عالية من كافة الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم خلال الثلاثة سنوات الماضية بدء من أزمة كوفيد 19 وانتهاء بالأزمة الروسية الأوكرانية، حيث تمكنت هذه السياسات الحكيمة من إعادة عجلة النمو الاقتصادي وتسريع تنفيذ برامج الرؤية والمحافظة على معدلات تضخم هي الأقل على مستوى العالم، قد يقول البعض إن النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة حاليا إنما هو نتيجة طبيعية للزيادة الكبيرة في أسعار النفط، حتى وإن كان كذلك فإن النفط هو السلعة الأساسية التي تعتمد عليها المملكة، وأي ارتفاع في الأسعار فإن خلفه سياسات المملكة الحكيمة في إدارة السوق النفطية وحمايتها من تأثيرات قد تهوي بالأسعار ولكن هذه الإدارة استطاعت بحكمتها وسياساتها المتزنة أن تجمع دول أوبك بلس على قرار موحد يضمن المحافظة على سعر متوازن يحقق المصالح الاقتصادية للدول الأعضاء في أوبك بلس والمنتجين الآخرين والمستهلكين، القرار الأخير حول تخفيض الإنتاج بنحو 2 مليون برميل خير دليل على ذلك حيث حاولت الإدارة الأميركية مع السعودية أن يتم تأجيل قرار الخفض حتى تنتهي الانتخابات الأميركية، إلا أن السعودية مع بقية الأعضاء صوتوا على قرار الخفض بالإجماع؛ لأنهم يعتقدون أن التأجيل له تأثيرات سلبية على الأسعار، وهذه رسالة بأن المصالح الاقتصادية للسعودية ودول مجموعة أوبك بلس لن تخضع للتجاذبات السياسية، هذا من جانب أسعار النفط وتأثريها على النمو الاقتصادي ولكن لو نظرنا للجانب الآخر من الاقتصاد السعودي وهو الدخل غير النفطي نجد أن هذا الدخل كان لا يمثل إلا 8 % في عام 2012 وهو العام الذي سجلت فيه الميزانية السعودية أعلى إيرادات في تاريخها حيث بلغت 1,239 مليار ريال كان نصيب الإيرادات النفطية 1,138 مليار ريال بينما الإيرادات غير النفطية لم تتجاوز 101 مليار ريال وهذا كان خللا هيكليا في الاقتصاد السعودي تجرعنا مرارته في السنوات اللاحقة، أما بعد الرؤية فإن الوضع تغير تماما، حيث بلغت الإيرادات غير النفطية في عام 2021 نحو 372 مليار ريال بنسبة 40 % من إجمالي الإيرادات، وهذا العام حتى نهاية النصف الأول فقد بلغت الإيرادات غير النفطية 214,260 مليار ريال ومتوقع أن تصل إلى 430 مليار ريال مع نهاية العام أي أكثر من 4 أضعاف ما كانت عليه في عام 2012، وهذا بلا شك يدحض مقولة أن النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة منحصر في ارتفاع النفط، وهذه الأرقام تؤكد أن الهدف الذي وضع في الرؤية بأن تتجاوز الإيرادات غير النفطية حاجز التريليون ريال سوف يتحقق بإذن الله، سمو ولي العهد -حفظه الله- أطلق في الأسبوع الماضي الاستراتيجية الوطنية للصناعة، وقد سلطنا الضوء في تقرير الأسبوع الماضي على النمو الكبير الذي تشهده الصناعة السعودية منذ إطلاق الرؤية المباركة، عدد المنشآت الصناعية في المملكة قبل الرؤية لم يتجاوز عددها 7,206 مصانع خلال 42 عاما، ليقفز عددها بعد انطلاق الرؤية بأكثر من 50 % ليصل إلى 10,640 منشأة صناعية في عام 2022م، وستعمل الإستراتيجية الوطنية للصناعة على دفع عجلة النمو في القطاع لتصل أعداد المصانع إلى نحو 36,000 مصنع بحلول عام 2035م، بما يحقق عوائد اقتصادية طموحة للمملكة بحلول عام 2030، منها مضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو 3 مرات، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال سعودي، كما تعمل الإستراتيجية الوطنية للصناعة على وصول مجموع قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، إضافة إلى استحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة، وانطلقت الاستراتيجية بعد تهيئة الممكنات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، وتهيئة البيئة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، ولعل المحادثات التي تجري بين السعودية والصين للتعاون والاستثمار المشترك في دول مبادرة الحزام والطريق، للاستثمار في مجمعات التكرير والبتروكيميائيات المتكاملة وإنشاء مركز إقليمي للمصانع الصينية للاستفادة من موقع المملكة المميز بين ثلاث قارات، ما هي الا إرهاصات عن النقلة النوعية التي ستشدها المملكة في المجال الصناعي وقد نرى خطوات مماثلة من جميع الدول الصناعية الكبرى، حيث يمثل الموقع الجغرافي المميز أحد أهم عناصر الجذب، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الغنية التي تحظى بها المملكة من طاقة تقليدية ومتجددة وثروات معدنية هائلة بأسعار تنافسية، ووجود شركات صناعية وطنية رائدة، وخصوصا في مجال صناعة البتروكيميائيات.