الأمير الوليد بن طلال من أكثر الشخصيات العربية التي سجلت حضورًا بارزًا على المستوى العالمي، وهو من المثقفين القلائل الذين تداخلوا مع الغرب تداخلاً حضاريًا، ويوظف إمكاناته من أجل هذا التداخل..
زرتُ على فترات مختلفة مؤسسة الوليد للإنسانية، والتي تتكون من منظومة متكاملة من البرامج الاجتماعية والثقافية والتعليمية والتربوية والأكاديمية والصحية والبيئية والتكافلية والإغاثية والرياضية والإنمائية والتأهيلية والحضارية والإنسانية.
كانت زيارات بناءة وممتعة ومفيدة وضعتني وجها لوجه أمام حقيقة الوليد للإنسانية، وكونت لدي انطباعًا باهراً.
تعود بداية علاقتي بالوليد للإنسانية إلى منتصف شهر نوفمبر عام 2002م وإلى تلك الدعوة الكريمة التي تلقيتها من إثنينية الشيخ عثمان الصالح لحضور محاضرة الأمير الوليد بن طلال (إسهامات الأمير الوليد بن طلال الإنسانية)، فقد كانت إثنينية الشيخ عثمان الصالح تختار شخصيات بارزة للتحدث أو تستعين بالهيئات والمؤسسات العلمية والثقافية والفكرية لترشيح متحدثين بارزين.
كانت الترشيحات في ذلك العام تتجه إلى سمو الأمير الوليد بن طلال للتحدث للإثنينية، فكانت المحاضرة حوارًا إنسانيًا راقيًا تلاقت فيه الفطرة الإنسانية مع الاحتياجات الإنسانية في أصدق صورها، فقد كان الأمير الوليد متألقًا في عرضه وكان الحضور مشدودين إلى مبادرات سموه الإنسانية، فقد كان هنالك تلازم ما بين زمن المحاضرة وشهر رمضان المبارك، ذلك أن كثيرا من مبادرات الأمير الوليد تذهب إلى الناس في هذا الشهر الكريم.
ولكن عندما نتتبع مبادرات الأمير الوليد الإنسانية ونرصد مواقفه نقف على منظومة إنسانية متكاملة، فقد صحبته الإنسانية في كل الأزمنة والأمكنة، وأحالت حياته إلى فصول من المبادرات والمواقف، كل يوم نسمع له قصة إنسانية جديدة.
فقد كان في تلك الأثناء تسلم جائزة (أريبيان بزنس) للإنجاز الحياتي من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم؛ تقديراً لتبني سموه فكرة الحوار بين الشرق والغرب.
فقد كان الأمير الوليد بن طلال تنبه في وقت مبكر إلى مسألة التفاعل والتلاقي والتواصل بين الحضارات وخصوصًا فيما يتصل بالتطور العقلي وبما له من قيمة ذاتية كالعلوم والفنون والآداب.
فالتواصل الحضاري مسلك إنساني لا سيما إذا كان هذا التواصل يقوم على المشاركة والتبادل والثقة والقبول من أجل تحقيق الإنسانية الواحدة.
ولذلك فإن الأمير الوليد بن طلال يفتح عبر الحوار آفاقًا - وبمنتهى الجدية - للانسجام والتوافق والتلاقي، وذلك من أجل صنع شيء إيجابي في ذاكرة الإنسان الشرقي والغربي.
فالثقافة تواصلًا وحوارًا مع الآخر، ولذلك فإن الأمير الوليد يسعى إلى بناء علاقات ثقافية مع مختلف الثقافات. ففي الصين مثلًا سعى إلى مساندة مجمع اللغة العربية ليؤدي دوره اللغوي، هذه المساندة تعكس فهمًا واسعًا لأهمية التواصل مع أكبر تجمع إنساني في العالم والمتمثل في الكتلة البشرية الصينية، إذ يمثل الصينيون سدس سكان العالم، وهو إدراك ضروري لبناء التواصل على أسس من المعرفة الواسعة للآخر.
وفي عالم اليوم يندرج كل ذلك في إطار الإسهام الإيجابي في تشجيع الحوار بين الحضارات من خلال إطلاق كل ما يعين على انطلاق الحوار ويكفل الاستمرار وتعميق نهجه ومجالاته.
ولكن يظل الحوار مع الغرب إحدى القضايا المهمة عند الأمير الوليد بن طلال، فهو يعتبر الحوار مع الغرب أحد المحددات الرئيسة لتأسيس وبلورة خيار حضاري.
ولذلك فإنه في كل مناسبة اقتصادية أو ثقافية أو أكاديمية أو حتى دبلوماسية أو بادرة إنسانية يسعى إلى الاقتراب من العقل الثقافي الغربي لأنه يرى بالاقتراب فرصة لنقل صورة الإسلام المشرقة.
ومثل هذه البادرة الحضارية تأخذ من سموه اهتمامًا واسعًا وجهدًا حقيقيًا، وقد حدث في مناسبات إنسانية وأكاديمية وثقافية واقتصادية أن قام سموه بالتأثير بطريقة إيجابية على الرأي العام العالمي في محاولة للتعريف بالثقافة العربية والإسلامية وترميم التشويه وتصحيح الأخطاء.
ففي يونيو 2002م أعلنت أكاديمية فيلبس الأميركية عن تأسيس صندوق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب للمنح التعليمية، والذي يعني بتقديم منح تعليمية لنخبة من الطلاب المتميزين والمتوقع لهم مستقبلًا قياديًا في حياتهم العلمية والعملية.
وجاء الإعلان عن إنشاء الصندوق بمناسبة الذكرى الـ60 لاجتماع خريجي العام 1942م من الأكاديمية الذي كان من بينهم الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب.
وبمناسبة التأسيس قدم الأمير الوليد بن طلال دعمًا للصندوق مقداره نصف مليون دولار، وقد شكر الرئيس الأميركي جورج بوش الابن للمتبرعين تبرعهم لصندوق المنح.
وفي رسالة إلى صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز، أعرب مجلس أمناء الأكاديمية عن الشكر الجزيل لسموه على هذا التبرع السخي مؤكدين لسموه أن برنامج تقديم المنح سيبدأ مع حلول الذكرى المئتين والخامسة والعشرين للأكاديمية كما تضمنت الرسالة الدعوة الرسمية لسموه لزيارة الأكاديمية والاطلاع على إنجازاتها.
تبرع الأمير الوليد يأتي ضمن عدة مبادرات وبرامج تبناها سموه من أجل إيجاد وسائل للتقارب والتواصل مع الغرب، ما يتطلب مواجهة حقيقية لكل ما يثار عن العرب في الغرب، والحوار هو الوسيلة المثلى لتحقيق الأهداف.
وفي إطار هذا التقارب الحضاري قدم سمو الأمير الوليد بن طلال تبرعًا بمبلغ مليون دولار لصندوق (أربانا) الخيري الذي يترأسه صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا (الملك تشارلز)، وذلك خلال لقائهما في قصر سانت جيمس بمدينة لندن.
فالأمير الوليد بن طلال من أكثر الشخصيات العربية التي سجلت حضورًا بارزًا على المستوى العالمي، وهو من المثقفين القلائل الذين تداخلوا مع الغرب تداخلاً حضاريًا، ويوظف إمكاناته من أجل هذا التداخل وفي الوقت نفسه ذو حس حضاري وضع أنظاره على أهداف حضارية: مراكز الدراسات، المعاهد والهيئات العلمية، مراكز الأبحاث.
وذلك من أجل الاستفادة من تلك المراكز والمؤسسات في التأثير على الرأي العام الغربي بصورة أكثر فعالية ووفق استراتيجية إعلامية مدروسة، وقد تمثل ذلك في تبرع سموه بمليون ونصف المليون دولار من أجل الحوار الفكري والثقافي للتعريف بالثقافة العربية والإسلامية ومواجهة الحملات والهجمات الفكرية.
التعليقات