استكمالا للحلقة الماضية وما ذكره البريطاني وليم ضمن كتابه الرياض المدينة القديمة أحد إصدارات مكتبة الملك عبدالعزيز فقد شرع الملك عبدالعزيز في سياسته الحيوية التي اشتهر بها، وهي تكوين روابط عن طريق المصاهرة مع كبار الأسر في بلاده المتنامية الأطراف كانت هذه السياسة عامل وحده فعال جدا وأدت في النهاية إلى نمو كبير لبيت ال سعود من حيث عدد أفراده فقد أصبح توفير مساكن لهذه العائلة الكبيرة عاملا هاما في توسع الرياض العمراني لكن يظهر أن هذه السنوات قادت التفكير ابن سعود إلى طريقة ممكنة التطبيق وأكثر دواما لتعميم الوحدة في مجتمع قبلي غير مستقر، وكما لاحظنا فالتنافس والتنازع والانكسار والانقسام كانت جزءا من النظام القبلي وتعبر ذاتها عن خصومات دائمة وولاءات متقلبة. مشيرا أن الاستقلال حالة ذهنية عند البدوي قد تستحق وتمثل الإعجاب بمعزل عن غيرها فالبدوي الحقيقي "الأعرابي" يرفض فكرة أي سيطرة خارجية. وتمثل العشيرة والقبيلة التجمعين الأساسيين الضروريين لسد الحاجات المشتركة ونقل الولاء الحقيقي للبدوي لكيان كبير لا يمكن تحقيقه دون اي إحداث تغيير أساسي في طريقة تفكيره.

هذا هو التغيير الذي سعى ابن سعود في هذا الوقت لإحداثه قد لا يكون المفهوم جديدا فالإمام فيصل ناقش شيئا بهذا المعنى مع الكولونيل بلي في سنة 1865م كانت غايته استبدال الولاء القبلي بولاء أكبر إنه الولاء لدعوة الإصلاح الذي سوف يمتد إلى معينها مجتمع وحكومة الرياض وتطبيقه يحتاج إلى توطين البدو وتعليمهم الزراعة كوسيلة للعيش وتلقينهم مبادئ الشيخ محمد بن عبدالوهاب والاستيطان سوف يجعل البدوي مهيئاً للاستفادة من التأثيرات النافعة لتعليم الدين والقراءة والكتابة والتجارة.

إن الملاحظ بعيد النظر- مهما كانت رؤيته واسعة قد يتوقع عدم نجاح تطبيق هذا المشروع ومع ذلك فقد نجح تطبيقه بوقت قصير ومثير للدهشة.

ويعود هذا بدرجة كبيرة إلى الجهود التي قام بها في الرياض العالم والفقيه عبدالله بن محمد بن عبداللطيف الذي طور نظرية الهجر في كتاباته ودفع بالفكرة بقوة بعد سنة 1906 عن طريق توزيع كتيبات بين القبائل.

في سنه 1911 وطد عبدالعزيز حكمه في نجد وأدرك أن أي توسع إضافي سوف يجعل الرياض تصطدم بمصالح الحكام الذين يتمتعون بحماية القوى الخارجية مثل العثمانيين والبريطانيين بدا أول النزاعات على الحدود مع الحجاز في سنه 1910 /1911م وتوجت بالنزاع على الخرمة في سنوات 1917 -1919م كان في حاجة إلى درجة كبيرة من التنظيم والتأييد الموثوق لتحقيق مزيدا من التقدم.

في هذا الوقت بالضبط بدأت دعوه الشيخ عبدالله وأعوانه تطبق فعلا في شتاء 1912\ 1913م من المرجح في شهر يناير سنة 1913 أسست قبيلة مطير هجره على آبار الأرطاوية على مسافة 45 ميلا تقريبا شمال المجمعة وكبرت الأرطاوية خلال عشر سنوات وأصبحت مدينة وصل عدد سكانها حوالي 10000 نسمة في نفس حجم الرياض تقريبا وانشئ بعدها بوقت قصير كثيرا من الهجر بعضها كانت كبيرة وأخرى صغيرة وبعضها عاشت طويلا وأخرى لم تلبث أن تركت. وفي سنة 1917 بلغ عدد الهجر أكثر من 200 اجتذبت أكثر بادية نجد.

ساهم كما يقول تطور هذه الحركة كثيرا في الإحساس بالشعور الوطني بالمملكة العربية السعودية لقد ولدت الحركة في الرياض وتلقت منها تأييدا قويا ماديا وعقائديا منذ البداية وأصبح تأسيس هجر جديدة ميسورا لأنه يقدم لهم الأرض والمال منحه لإنشاء مزارع وبنيت فيها المساجد وأرسل العلماء إليها معلمين تم تدريبهم في الرياض ومن ثم أصبح البدو الذين توطنوا يعرفون بإخوان من طاع الله أشعلهم الحماس لنشر رسالتهم بالإقناع إذا أمكن أو بالقوة إذا اقتضت الضرورة كانوا في حالة استعداد دائم للشروع في الحرب وكان ولاؤهم لله ثم لابن سعود وكانوا مستعدين للموت في المعركة وخلال سنوات قليلة أصبحوا يشكلون العمود الفقري لجيش الرياض في الوقت الذي كانت فيه الدولة السعودية تتوسع كان بوسع عبدالعزيز أن يترك لهم الحرية بنشر مثلهم وبعد أن استعاد الحجاز سنة 1926 أصبح إحجامهم عن إدراك الحقائق السياسية مصدر إحراج الحكومة. حاول الإخوان في حياتهم اليومية النهي عن الخيلاء فتجنبوا لبس الحرير والذهب والمجوهرات والحلي وبما أن العقال الذي يلبسه الرجال يوميا فوق رؤوسهم لم يكن مستخدما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقد استبدلوه بلبس العمامة وهي من المؤسلين الابيض وكانت الهجر مثل الأرطاوية والغطغط ثكنات عسكرية بقدر ما كانت تجمعات زراعية ورعوية فهناك الإسطبلات والمعالف في الساحة الرئيسة حيث ينادي الجنود من فوق سطح المسجد وتوزع الذخيرة عليهم من المخازن المركزية.

سعود المطيري