يحصل على زيادة مستحقه في راتبه؛ لا يبتهج لأنه يرتعد من إعادة الهيكلة! يحتفل بمرور خمس سنوات على زواجه؛ لكنه مكفهر خوفاً من فقدان زوجته! هكذا كثيرون يتوجسون خِفية من لحظات فرح اليوم لأنهم يترقبون أتراحاً مقبلة!

لا أفهم كيف يُفكر الهارب من اللحظة الحالية إلى مستقبل قد لا يحدث، يبادل ما في اليد الآن من خير وسعادة بحزنٍ وألم غير مضمون! يُفضل البؤس والكآبة على لحظات البهجة! يؤمن أن حال السعادة لا يدوم، وأنه سرعان ما يصاب بخيبة أملٍ في النهاية!

يصنف من لديه نفور "غير عقلاني" تجاه الشعور بالسعادة بمعاناته من "الشيروفوبيا" أو "رهاب السعادة"، فهو يخشى المتعة والفرح خوفاً أن تعقبها كارثة أو مأساة! هذا الرهاب قد يكون نتيجة اعتقادات اجتماعية أن السعادة الغامرة تأتي بمصيبة تفسدها! أو بسبب تجارب شخصية صدف أن أعقب الفرح حدثٌ سيئ! وأسوأ هؤلاء الباحثون عن الكمال، الذين يرون أن الفرح مضيعة للوقت في سبيل سباق الأهداف.

المأساة أن تصاعد أعراض "رهاب السعادة" وتكرار تجنب الأحداث السعيدة، يزيد من وهم التشاؤم، وقد يقود نحو العزلة الاجتماعية، وبالتالي تأثيرات نفسية لا تحمد عقباها.

قد يستلزم الاستمتاع بلحظاتنا الجميلة لمن يعاني من رهاب السعادة قدراً من العلاج السلوكي والمعرفي عبر المختصين، غير أن إحدى الاستراتيجيات السهلة والناجحة والتي يمكن لأي منا القيام بها: هي كتابة المخاوف والتوقعات وتفريغها على الورق، وبالطبع الإيمان أولاً أن لا علاقة أبداً بين الفرح ووقوع الترح لاحقاً، فالحقيقة أن يحدث لنا اليوم هو نتيجة أفعالنا وخياراتنا نحن، وهناك أسباب متعددة وعوامل متداخلة تؤثر، بل أن الاستمتاع بلحظات السعادة قد يزيد من روحنا المعنوية ويعزز استمرار النجاح والفرح، بدلاً من أن تنتكس معنوياتنا تجنباً لمصيبة في الغالب لن تحدث!

لحظات فرحنا تستلزم أن نعيشها مع من نحب، مع من نهتم لأمره ويهتم لأمرنا، فما فائدة النجاح وتحقيق المستحيل وأنت لا تجد من تحتفل معه! لا تجد من يطير قلبه من الفرح لأجلك! من يسابق الزمن ليهنئك! فإن كان لديك مثل هؤلاء -من عائلة وأصدقاء- فاعلم أنك محظوظ، وأن قد حجزت مقعداً مؤكداً في رحلات السعادة.

صديقي، إن عشت لحظة سعيدة فحاول توثيقها بالصورة أو الفيديو، مما يعزز من بقاء ذكرها، ويجعلها مخزناً للطاقة الإيجابية تعود إليه متى ما رغبت.. تستذكر تلكم اللحظات وتبتسم وتسعد، وحذاري من فخ إشعارات شبكات التواصل الاجتماعي، التي يجب أن تؤجلها، حتى لا تطغى على استمتاع لحظتك الرائعة.

لا يمكن أن تطيل عمر قلبك وتُحسّن جودة حياتك وأنت تتجاوز لحظاتك سعادتك، وتحرم روحك من بهجة مستحقة! عش سعادة يومك واحتفل بنجاحاتك -مهما صغرت-، ولا تبتأس اليوم لما قد يأتي أو لا يأتي.