الثروة في الفكر الرأسمالي أهم العوامل التي تقرر مركز الشخص في أميركا ولذلك كان على من يطمح إلى الظهور السياسي والاجتماعي أن يحقق الثروة، إذ لا يمكنك أن تبلغ صفوف الطبقات العليا والحصول على الألقاب بكل سهولة من دون المال.. فالمال هو الذي يقرر المركز في بلد رأسمالي كالولايات المتحدة..
استكمالًا لحديثنا السابق حول التعددية الثقافية في الولايات المتحدة الأميركية.. لننظر الآن إلى الوجه الآخر من وجوه النقاش وبالذات إلى العلاقة ما بين تلك الثقافات فلا بد لهذه العلاقة من سالب لصالح ثقافته ومستلب لحساب ثقافة أخرى ومن الخطأ أن نعتبر أن هذا الاستلاب للثقافة وحدها بل للمجتمع الأميركي كله والتي أفرزت ظاهرة الأقليات وتولدت عنها فكرة الهامشية.
فالهامشيون في المجتمع الأميركي كثيرون ولكن بدرجات متفاوتة وبما أن حديثنا عن الجالية اليهودية في المجتمع الأميركي فقد عانت الجالية اليهودية من الهامشية الثقافية وتعرضت للضغط النفسي وقد تعاملت معه (بآلية تخفيض الضغط) والتي تتمثل في ترتيب القيم وهي أن قيمها الخاصة تأتي أولًا.
والعزل الاجتماعي وهو العيش في أحياء يهودية خاصة.
وإعادة تعريف وتفسير المصطلحات والمفاهيم كتعريف (الكريسمس) بأنه مناسبة اجتماعية وليست دينية.
والتحاشي المقصود تجنبنا للضغوط الاجتماعية.
إلا أن نمو النفوذ اليهودي في أميركا والقبول الذي حصلوا عليه من الثقافة النواة قد قلل كثيرًا من درجة الهامشية، وإن كان اليهودي بطبيعته يميل إلى العزلة والهدوء الفكري فحالة الاضطهاد ولدت في نفسه الشعور بالانفصال عن الآخرين، ولكن كل هذا صار الآن ماضيًا بالنسبة له.
في أوائل التسعينات الميلادية وفي إحدى مناسبات الجامعة التي كنت أدرس فيها تعرفت على أستاذ التاريخ الأوروبي الذي ينحدر من عائلة يهودية ويعتبر من الاختصاصيين القلائل في الشؤون الأوروبية ومن المعروفين بحيادهم في القضايا الدولية، شارك على مستوى العالم في ندوات ومناظرات ذات طابع تاريخي وكانت معلوماته عن منطقة الشرق الأوسط مستقاة بالدرجة الأولى من دراساته التاريخية.. قال لي مرة: إن الجالية العربية والجالية اليهودية جاءتا إلى الولايات المتحدة الأميركية في تاريخ متقارب، فالجالية العربية وصلت إلى نيويورك قرابة القرن الثامن عشر والجالية اليهودية ما بين القرن الثامن عشر والتاسع عشر.
ولكن انظر كيف وظف المهاجر اليهودي والمهاجر العربي هجرتهما إلى أميركا في وقت كانت فيه أميركا أرضًا مفتوحة للهجرات والفرص وكيف أفصح كل منهما عن وجوده، وانظر لهما بعد جيلين كيف كانا.
لا شك بأنه لا مجال للمقارنة بينهما.
اليوم اللوبي اليهودي لم تتراخَ قبضته على الكونغرس منذ سنوات طويلة وبالغ النفوذ في الإعلام وخصوصًا الصحافة والتلفزيون، وقد مكنه ذلك من السيطرة على الرأي العام.
وقد سن كثيرًا من القوانين والتشريعات على مستوى الكونغرس وانتظم في جميع ميادين الحياة الأميركية في السياسة والاقتصاد والفنون والفكر مستفيداً من علاقته الوطيدة بالكونغرس والبيت الأبيض والخارجية.
وهذا بالضبط ما كانوا يريدونه، علاقات مع السياسيين يمارسون بها نفوذهم في السياسة الأميركية فقد أصبح المشرع اليهودي اليوم هو الذي يصوغ لغة النقاش في السياسة الخارجية حول الشرق الأوسط.. بالإضافة لذلك فقد برز في حقول العلم والفلسفة وفي جميع مناحي الفكر البشري.. وبرع في العلوم الفكرية الحديثة.
كما ناصر اليهود الحركات التقدمية والأحزاب اليسارية في أميركا وكانوا من المدافعين عن قضية السود إلا أنهم بسبب مواقفهم المتحاملة على زعماء السود كجسي جاكسون ولوليس فرخان خسروا السود كذلك بسبب تدخلاتهم خسروا بعض الطوائف المسيحية الرسمية.
وفي المقابل انظر إلى الوجود العربي يذكر مؤلف كتاب (أميركا كما رأيتها) أنه كان في الولايات المتحدة الأميركية من العرب ما يقارب الجالية اليهودية آنذاك معظمهم من أصول لبنانية يتمتعون بالثراء والجاه وبوسعهم تكوين نواة وجود عربي على مستوى أميركا.
ولما سئل أحدهم قال: لقد اكتسبنا الجنسية الأميركية ولا نريد أن نخسرها إذ لولاها لما كنا بهذا الجاه والثراء واليوم لنا علاقاتنا المالية والاقتصادية بالجالية اليهودية ونخشى أن نظهر أي بادرة تستوجب استفزازهم وسخطهم علينا فتضيع ثروتنا وجاهنا وقد تضيع معها جنسيتنا الأميركية إلى الأبد.
فالثروة في الفكر الرأسمالي أهم العوامل التي تقرر مركز الشخص في أميركا ولذلك كان على من يطمح إلى الظهور السياسي والاجتماعي أن يحقق الثروة، إذ لا يمكنك أن تبلغ صفوف الطبقات العليا والحصول على الألقاب بكل سهولة من دون المال.. فالمال هو الذي يقرر المركز في بلد رأسمالي كالولايات المتحدة.
فالشركات المالية والبيوت التجارية ومؤسسات الصناعة وبارونات النفط صنعوا القوة والنفوذ والثروة لأميركا.
(فعندما يفكر المرء في قوة أميركا لا يمكن أن يفكر في قادتها السياسيين وإنما بأولئك الجالسين في وول ستريت كعائلة مورغان المصرفية وعائلة روكلفر وبرنارد باروخ وبنك جيس منهاتن وأف أميركا وجيسي ناشونال).
النجاح بكل المقاييس الأميركية: المال النفوذ الثروة الجاه الشهرة المنصب المركز الاجتماعي النجومية يتمثل في هؤلاء..
التعليقات