يبدو أن الأزمات التي تواجهها أسواق النفط العالمية كثيرة ومتواصلة، ولن يكون لها نهاية قريبة، فبقدر أهمية النفط كسلعة أساسية، لا غني عنها في دول العالم، بقدر الأزمات التي تستهدفها وتؤثر فيها، وتربك حركة الإنتاج، وتخلخل الأسعار، فترفعها إلى عنان السماء تارة، وتهبط بها إلى قاع الأرض تارة أخرى.
وجميعنا يتذكر ما حدث أثناء ذرورة جائحة كورونا، اتجهت الدول للإنغلاق وتجميد الأنشطة، وتراجع النمو العالمي، وانخفضت أسعار النفط إلى إلى مستويات مقلقة للمنتجين، وبعد اتفاق العالم على تجاوز تداعيات الجائحة، رغم وجود الفيروس حتى الآن، انتعش الاقتصاد العالمي، وعادت أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة ومقلقة للمستهكلين، وبين هذا المشهد وذاك، لا يمكن لأحد أن يتوقع ملامح مستقبل قطاع الطاقة، وما سوف يشهده من تحولات ومسارات تؤثر فيه سلباً أو إيجاباً.
ومن خلال قيادتها الناجحة لأسواق النفط العالمية، ترفض المملكة أي تحديات تتلاعب بالقطاع أو تحد من قدراته على تأمين الطاقة للعالم بالكميات المطلوبة والأسعار المعقولة، ويترجم حديث وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان عن حجم استثمارات القطاع هواجس المملكة في هذا المسار، جراء شائعات المضاربين في تلك الأسواق، عندما قال سموه إن دورة عملاقة جديدة في أسعار النفط العالمية، قد تنجم عن نقص الاستثمارات الجديدة في التنقيب، وهو ما دعاه - صراحة- لتحذير هؤلاء المضاربين من مخاطر الرهانات الهابطة للمستثمرين، قبل أن يتعهد بمحاربة ألاعيبهم، وإفشال مخططاتهم للتحكم في السوق، وتوجيه دفته إلى المسارات التي تخدم أغراضهم.
ويعكس تصريح الأمير عبد العزيز بن سلمان، حرص المملكة الدائم والفطري على حماية أسواق الطاقة، حتى تصبح نموذجيةً وتنمو وتتطور، لتكون قادرةً على تلبية احتياجات الدول من النفط، وهذا يتطلب زيادة استثمارات القطاع، والتنقيب الدائم عن اكتشافات آبار جديدة، تسد الطلب المزايد على الطاقة.
المخاوف على مستقبل قطاع الطاقة، هي امتداد طبيعي لنهج المملكة في تعاملها الشفاف مع المتعاملين مع السوق، فمنذ ظهور النفط بكميات تجارية في أراضيها في سبعينات القرن الماضي، تعهدت بتأمين النفط لدول العالم بالكميات الكافية والأسعار المعقولة، هذا التعهد لطالما كان مصدر ثقة وأمان لدول العالم،خاصة الصناعية، التي كانت تشعر بمصداقية المملكة وحرصها على استقرار دول العالم، من خلال استمرار امتدات النفط، إيماناً من الرياض بان استقرار المملكة هو جزء لا يتجزأ من استقرار العالم.
لا ينبغي أن تكون المخاوف من نقص الاستثمارات الجديدة في التنقيب.. شأن يخص المملكة دون سواها، وإنما يجب أن يكون الشغل الشاغل لجميع المنتجين والمستهلكين، الذين عليهم مشاركة المملكة مخاوفها، ويساندون ويؤيدون تحركات الرياض في مواجهة المضاربين، مع الوضع في الاعتبار أن تراجع هذه الاستثمارات.. تحت مزاعم توقعات بحدوث تخمة المعروض وتراجع الأسعار مجدداً، قد يقلل الإنتاج، وبالتالي يرفع الأسعار إلى مستويات مبالغ فيها، قد لا يتمناها المستهلكون.
التعليقات