قدر الرياض أن تكون الثبات الدائم في ظل كل الارتباك، والبداية الجريئة عندما يجفل الآخرون، والفكرة السباقة عندما يتكاسل غيرها.

لا يمكن معرفة الرياض الصحيفة إلا من علو الريادة، كانت الأولى في كل شيء، والقدوة العربية في الصناعة الصحفية.

بدأت القصة قبل ستين عامًا، مع مطلع عام 1385هـ، كانت انطلاقة جريدة الرياض، كأول جريدة يومية تصدر باللغة العربية في عاصمة المملكة العربية السعودية.

أفضل ما توصف به رحلة "الرياض" هو أنها كانت مليئة بالصعوبات والعقبات والنجاح، من أقدم أحياء مدينة الرياض، كانت المرحلة الأولى لنشأة الجريدة، ومن مقر متواضع ومستأجر يضم عشرة محررين، وبطريقة أسطر الرصاص (البدائية والوحيدة آنذاك) في الطباعة، صدرت الجريدة في ست صفحاتٍ غير ملونة بيعت بأربعة قروش، كشاهد أصيل على ولادة إمبراطورية الرياض الصحفية.

بعد 9 سنوات، انتقلت "الرياض" إلى حي الملز، كمرحلة وسطى من تاريخها، استمرت 18 عامًا وأثمرت زيادة عدد الصفحات والعاملين، وتطور المضمون والشكل. كان لهذه المرحلة الدور الأبرز في تطور الصحافة السعودية؛ إذ عملت "الرياض" على تطوير الكوادر السعودية وجذبهم للعمل في الأقسام الفنية، وليس فقط في التحرير، باعتقادي، أن هذا الدور يمكن وصفه بجذور ما يعرف بالتدريب الصحفي على رأس العمل.

وفي العام 1414هـ، كانت المرحلة الثالثة من المشوار، بالانتقال إلى حي الصحافة، ومن انطلاقة المقر الصغير في المرقب، إلى مبنى مساحته 20 ألف متر مربع، واصلت "الرياض" دورها في خدمة بلدها وشعبها والقيام بدورها النهضوي ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وأميل لوصف مقرها الأخير بالمتحف المتكامل، المكتنز بالتاريخ والذكريات، والأرشيف الضخم.

يشهد تاريخ وحاضر "الرياض" على كونها الجريدة الأكثر انتشارًا من حيث معدلات التوزيع والقراءة والمساحات الإعلانية بالمملكة، وتضم كوكبة من الكتاب والمحررين اللامعين، ورغم التوسع الكبير في مكاتب وشبكة مراسلي "الرياض" داخل المملكة وخارجها عبر 58 مكتبًا، فهي أول مطبوعة سعودية تحقق نسبة (100 %) في توطين وظائف التحرير، وأيضًا، أول صحيفة تدشن إدارة للإعلام الإلكتروني، وكذلك أول إدارة متكاملة للقسم النسائي.

إنجازات عدة سطرتها "الرياض" على مر تاريخها، فقد كانت أول من أدخل الكاريكاتير في الصحافة السعودية، وأول من عين سيدة في منصب مدير تحرير على مستوى الصحافة العربية والمحلية، كما أنها أول صحيفة جعلت من "الافتتاحية" زاوية يومية لتواكب الأحداث السياسية أولاً بأول، تكتب باسم الكاتب، وكانت أيضًا أول صحيفة أحدثت الطبعات المتعددة في المملكة.

كذلك كانت أول جريدة أدخلت خدمة "الفاكسميلي"، وواكبت التجارب الأولى لهذه التقنية المتقدمة للاتصالات لربط جميع مكاتبها في الداخل والخارج بمقر الجريدة، وبالمثل، تواكب الجريدة الآن الثورة التكنولوجية عبر الوجود على منصات التواصل الاجتماعي واستخدام التقنيات الرقمية في تحقيق أكبر قدر من الوجود والانتظار، كما أنها أول من أحدث شبكة توزيع برية تجوب أطراف المملكة وتغطي 95 % من المملكة بالتوزيع المبكر ووصول الجريدة إلى أبعد نقطة توزيع في نفس ساعة صدورها في الرياض.

وليس بالإمكان أن نذكر مشوار "الرياض" دون الحديث عن ملك الصحافة السعودية الكبير الراحل تركي السديري، الذي ترأس تحريرها في الثلاثين من عمره ولمدة 41 عامًا، السديري هو العمود الفقري للرياض، إداريًا وتحريريًا.. وأبًا، ومن مقالة سابقة كتبتها في وداع أبي عبدالله، أستعير: عبَّد عميد الصحافيين طرقه الخاصة في الإدارة والصحافة، لم يكن نسخة من الآخرين، من الرؤساء والإداريين.. كان قريبًا من الجميع، والحواجز التراتبية والتنظيمية متلاشية، يستشير الكل في التفاصيل بأنواعها، يؤمن بالتجديد والتنوير والمخاطرة والتغيير، يسبق المرحلة باستشرافه، بوعيه وإدراكه، وإيمانه بفريقه، ونفسه.

ليس من الإنصاف أن نشير إلى السديري تركي كصحافي، أو كرئيس تحرير فحسب، أو أحد القلائل الذين كتبوا أسس الإعلام الحديث في الميدان، وإنما كإداري محنك، في نفس الوقت، بنى مؤسسة إعلامية رصينة، وضعها في مقدمة الركب، تمدد بها على المستجدات، وانفتح على المتغيرات، وكان أول رئيس تحرير يتبنى تدشين إدارة للنشر الإلكتروني، حتى مع كونه أكبر الرؤساء سنًا، عندما داهمت التقنية الصحافة، لكنها لم تكن أكبر من عمقه وفهمه.

خلال 6 عقود سطرت "الرياض" تاريخًا مجيدًا استطاعت فيه مواكبة التغيرات والتطورات المتلاحقة في الصحافة، والسياسة والمجتمع، والتقنية، لتظل متربعة على عرش الصحافة السعودية وتبقى من أهم قلاع الإعلام العربي على مر تاريخه. والسلام..