أسرفت أكثر الدول والشركات والأفراد في الإقبال على الاستدانة حتى صارت الديون في عالم اليوم كالجبال التي تجثم على الصدور وتكاد تخنق الاقتصاد العالمي أن لم يكن اليوم فبعد حين، لأن ديون الدول مجتمعة زادت عن ناتجها القومي أكثر من ثلاثة أضعاف، حسب معهد التمويل الدولي، هذا غير ديون الشركات والأفراد، ويعني هذا أن الديون أكثر من ثلاثة أضعاف القدرة على السداد، ومع انخفاض الفائدة مؤخراً انفتحت الشهية على المزيد من الاقتراض وتكبيل الاقتصاد العالمي بمزيد من القيود، ثم خرج التضخم وجثم على القدرة الشرائية بسبب الإسراف في التيسير الكمي، والاستخفاف ببوادر التضخم حين أبرزت أنيابها، ظنًا بأنه تضخم عابر، غير أنه، التضخم، توطن وعم وزاد ضراوة، مما أجبر البنوك المركزية على رفع الفائدة بشكلٍ يبدو أنه سوف يتواصل، وفي هذا مزيد من العبء على المدينين حكومات وأفرادا وشركات، خاصة الدول النامية ذات العملات الهشة والديون الكبيرة..

وتختلف الدول في حجم الدين إلى الناتج القومي، لكن كثيراً منها يفوق دينها المجمع ناتجها، كما يختلف تصنيف تلك الديون بين استثماري واستهلاكي، ومع أن الأول أسهل نظرياً إلا أنه أخطر واقعياً لأن حجمه أكبر، ولأن تسديد الديون مؤكد والحصول على عائد من الاستثمار بعيد عن التأكيد، بل إن القدرة على سداد أصل الدين دون فوائده مشكوك فيه إذا زاد الدين عن الناتج القومي للدولة أو التدفقات النقدية للشركة.

القاعدة الحصيفة في الاستعانة بالديون الاستثمارية أن لا يزيد الدين عن 60 % من رأس المال وبعد دراسة جدوى ذات استقصاء مستقبلي دقيق، لكن الحاصل في عالم اليوم تجاوز تلك النسبة بأضعاف لدى كثير من الدول والشركات، خاصة بعد ارتفاع الفوائد، وهذا ما يجعل تلك الجبال من الديون قنابل موقوته في جسد الاقتصاد العالمي.

كما أن الأفراد عندنا وفي كثير من دول العالم أسرفوا في تحميل أنفسهم وأسرهم ديوناً ثقيلة استهلاكية لاعائد لها ولا يشترى بها أصولاً تولد النقود بل خصوماً تلتهم مزيداً من النقود كالسيارات والأثاث والأسفار، بل وحتى المساكن إذا بالغ المقترض في شراء مسكن سعره فوق طاقته المستقبلية فالمساكن تتطلب مواصلة الإنفاق على الصيانة والأثاث والخدمات، خاصة إذا كان البيت كبيرًا بقرض كبير..

والقروض الاستهلاكية أسوأ لدينا منها لدى الغربيين، لأنهم يشترون بها ما ينتجونه هم، أما نحن فأكثر مشترياتنا من إنتاج غيرنا وأولها السيارات.

وهناك الاقتراض للمضاربة على الأسهم (رافعة مالية) هكذا يسمونها ويقفون، الواقع أنها [خافضة رافعة] وهي خطيرة جداً..

إنها دورات اقتصادية بين ازدهار وركود، والمشكلة حين تحل دورة الركود مع تراكم الديون.