منذ سنوات كنا نأكل الخضروات كافة في أوقاتها أو فصولها، للملوخية والطماطم والخيار والبطيخ والشمام والعنب أوقات لزرعها والإقبال عليها، وكانت هناك اجتهادات لكيلا يحرم آكلو البامية والملوخية والطماطم وغيرها من وجباتهم المفضلة التي تختفي عند انتهاء فصلها، وبالتالي حرمان الناس منها، وذلك باللجوء إلى تجفيفها على السطوح وتخزينها في أوعية خاصة تسد حاجة الناس منها، لذلك كنا نرى في بعض المحلات الملوخية والبامية والطماطم والمشمش الناشفة.
الآن أصبحنا إذا انتهى الفصل نخلق فصلاً بديلاً، يمكننا من زراعة الخضروات والفواكه في الفصول كافة من خلال أساليب علمية توصل إليها العلماء، أصبحنا بموجبها نجد خضرواتنا وفواكهنا المحببة أمامنا في كل وقت وبأسعار منافسة! ولأن الطبع يغلب التطبع، فإن مستخدمي منتجات البيوت المحمية كافة أجمعوا على أن طعمها ونكهتها وتأثيرها لا يقارن بما ينتج أو ينبت في وقته الطبيعي، لكنهم اقتنعوا أن شيئاً أحسن من لا شيء، وأن رائحة «أبو علي» ولا عدمه!
والظاهرة الآن أن القادرين من الناس أصبحوا يقومون بزراعة خضرواتهم وفواكههم في أرض وفروها في منازل أو في أراضٍ اشتروها، ليزرعوا فيها ما يحتاجونه من النباتات كافة لتكون طبيعية خالية من المحسنات الكيميائية. كما أصبحنا نرى محلات في أماكن معينة تعلن أن ما تعرضه من النباتات المأكولة زراعة القصيم والمدينة وربما أبها وتبوك، وأنها ليست من نتاج البيوت المحمية. كما أنها خالية من المواد الكيميائية والأسمدة الصناعية، لكن الواضح تسويقياً أن سعر الكيلو من هذه المنتجات ربما يصل إلى ضعف منتجات البيوت المحمية؛ المشكلة أن قليلاً من المستهلكين يدركون الفرق بين الخضروات والفواكه المحمية من غير المحمية! حتى المستثمرين في المطاعم دخلوا على الخط وأصبحوا يعرضون في مطاعمهم أطعمة بنت البيئة خالية من كافة الإضافات غير الطبيعية على الطعام والشراب والفواكه. وقد اطلعت قبل سنوات على قائمة بأسماء مشاهير المال والأعمال ومصممي الأزياء والممثلين الذين يقتصر كل ما يأكلونه على الطبيعة!
وما دخل إلى الخضروات والفواكه من محفزات دخل أيضاً على أصناف عديدة من اللحوم التي أصبحت تتغذى على مواد ليست من البيئة، من الدواجن إلى البقر والخرفان والغنم، حتى البيض طالته هذه المحسنات، ورغم الوفرة والسماكة التي توفرها هذه المحفزات في المنتج إلا أن أسعارها في «العلالي»، كما يقولون، ولا أعتقد بأن كثيراً من أبناء الحاضرة عندهم القدرة على توفير زريبة وخن دجاج ليحظوا ببيض ولحم تربية البيئة الطبيعية. وإذا خلصنا من الأكل ودخلنا في السكن فإننا سوف نلاحظ عزوف بعض القادرين عن الاعتماد الكلي في بناء منازلهم على مواد مصنعة من الحديد والإسمنت والألمنيوم، جاعلين حيزاً واسعاً في منازلهم أو قصورهم لمنتجات البيئة التي يعيشون فيها من الطين إلى الأخشاب والخصف، ومعتمدين في تهوية منازلهم على المناور والشبابيك الواسعة، مع الإكثار من الأشجار في ممرات البيت وباحاته، لأن ذلك من شأنه تقليل الاعتماد على التكييف الصناعي.
التعليقات