دفعت الأوضاع الأمنية المتردية وخيبة الأمل التي تلت احداث العام 2003بالعديد من المثقفين الذين كانوا قد عادوا إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين إلى الهجرة مجددا بحثا عن المستقبل والملاذ الأمن.
وقال الشاعر والإعلامي محمد درويش علي لوكالة فرانس برس "ليس الوضع الأمني وحده مسؤولا عن الهجرة الجديدة للادباء والفنانين انما ايضا خيبة الأمل التي اصيب بها المثقفون".
واضاف ان "الحكومة في واد والناس في واد اخر وشريعة الغاب هي السائدة. اما المثقف فلا دور له كما انه مهمش مع سبق الإصرار ويعيش وضعا ماديا صعبا واجتماعيا بائسا".
وتساءل الشاعر علي "لماذا اذا البقاء وكل هذه التناقضات تتسع يوما بعد اخر وكيف يمكن للمثقف البقاء الآن في ظل احوال متردية يواجهها بصعوبة؟".
يشار إلى ان العديد من المثقفين غادروا خلال التسعينيات نتيجة خوفهم من بطش النظام السابق بعد ان رفضوا توظيف مساهماتهم الفكرية والأدبية لمصلحته قبل انهياره في نيسان (ابريل)
2003.وعاد عدد من هؤلاء الأدباء والمثقفين إلى العراق بعد سقوط النظام وهم يتطلعون إلى حقبة جديدة باحثين عن دور مهم لاعادة الروح واخراجها من ركام الحرب والدمار لكنهم ما لبثوا ان غادروا البلاد.
ومن بين هؤلاء المخرج المسرحي جواد الأسدي المقيم في دمشق والذي قدم الشهر الماضي باسم سوريا في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي مسرحيته "حمام بغدادي" التي تقوم على حوارية بين شقيقين هما نموذج عن الشعب العراقي في اختلافهما بنظرتهما للاحتلال الأميركي.
ومن بينهم ايضا الشاعر هاشم شفيق المقيم في لندن والروائي شاكر الأنباري المقيم في دمشق والمسرحي صالح حسن والفنان التشكيلي الذي توفي بعد مغادرته العام الجاري في هولندا زياد حيدر والشاعر الذي توفي ايضا في هولندا بعد مغادرته البلاد مرة ثانية كمال سبتي والتشكيلي رياض نعمة والشاعر خزعل الماجدي.
من جهته، قال الكاتب والإعلامي جمال كريم لوكالة فرانس برس ان "الأدباء والمثقفين الذين عاشوا في دول المنافي حقبة من الزمن عادوا ليس بحثا عن المنافع والمناصب والاغراءات بقدر ما كانوا متحمسين لبناء مشروع ثقافي جديد في وطن جديد".
واضاف ان "المثقفين بدأوا يشعرون بالموت والقتل ينصب افخاخه لكل المعاني والأشياء، لذا عادوا إلى المهاجر ثانية". وتابع كريم "عندما يشعر المثقف انه لم يصنع شيئا، يعني ان هناك خيبة واحباط وتخوف من المستقبل يدفع إلى الهجرة المتجددة في دول المنافي".
وقد شكل المثقفون العراقيون خارج البلاد ما يعرف ب"الثقافة المهاجرة" التي لم تتخل خلال تلك الحقبة عن انتمائها وجذورها.
وقدم هؤلاء اعمالا ابداعية وادبية وفنية متنوعة في بلدان المهجر التي فتحت ابوابها امامهم واحتضنت طاقاتهم مما خفف من وطاة الشعور بالغربة.
بدوره، اعتبر رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب فاضل ثامر ان "موجات العنف وقوى الإرهاب تقف وراء هجرة المثقفين مرة اخرى ومغادرتهم للبلاد".
واضاف لفرانس برس "كنا نامل عودتهم ليساهموا في بناء الحياة الثقافية للعراق وعودة الروح إلى الحركة الثقافية، لكن من المؤسف نجد ان الهجرة في اوساطهم بالإضافة إلى الأكاديميين قد تكررت في هذه المرحلة الدقيقة".
واكد ثامر ان "هذه الهجرة الجديدة تشكل خسارة كبيرة للحركة الثقافية في العراق وستساعد في افراغ المؤسسات الأكاديمية من عقول تكتنز الأدب والفكر".
التعليقات