إن نظرية التوازن هي عبارة عن معادلة بسيطة وهي أن قوة بريطانيا وقوى الحلفاء وقوة الدبلوماسية البريطانية يجب أن يعادل هذا الجموع قوة أي دولة أو مجموعة من الدول فكلما بقيت هذه المعادلة محافظة على طرفيها فإن بريطانيا ستتمتع بالسلام والاستقرار الدائم..

ينسب إلى اللورد بالمرستون السياسي الإنجليزي المحنك مقولة حكيمة: "ليس لبريطانيا عداوة دائمة أو صداقة دائمة بل لها مصالح دائمة"، لذلك كثيرًا ما كان عدو بريطانيا بالأمس صديقها اليوم وعدوها اليوم صديقها غدًا.

فاتجاه السياسة البريطانية يختلف باختلاف مصالحها فكلما اختلفت هذه المصالح اختلف الأعداء والأصدقاء، فالمصلحة وحدها هي الدائمة وليست العداوة أو الصداقة.

ففي كتاب "الإنجليز كما عرفتهم" يتناول الدبلوماسي العراقي أمين المميز مسألة التوازن الدولي في السياسة الخارجية البريطانية والتي يلتزم بها كل سياسي إنجليزي دون استثناء، وهي كما يصفها السفير المميز: بالأسطورة القديمة التي لازمت التاريخ السياسي والدبلوماسي لبريطانيا منذ عدة قرون وهي وسيلة للدفاع عن النفس أولًا وضمان التفوق والسيادة ثانيًا، ولا يمكن إدارة هذا التوازن إلا من خلال سياسة التحالفات الدولية والتي تحتل المنزلة العليا في السياسة البريطانية.

ففي عام 1902م عقدت بريطانيا تحالفًا مع اليابان وفي عام 1904م عقدت تحالفا مع فرنسا ولم يأتِ عام 1939م إلا وأصبحت بريطانيا مرتبطة بتحالفات مع عدد من الدول الغربية والشرقية كبولندا ورومانيا واليونان وبلجيكا وتركيا واليوم تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية، لا يرتقي إليه أي تحالف في العالم والذي يعد من أقوى التحالفات في القرن العشرين، والذي يطلق عليه التحالف الأنجلو - أميركي ولذلك علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة الأميركية لا تشبهها أي علاقة مع دولة أخرى .

فالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا حليفان عسكريان مقربان يتمتعان بعلاقات خاصة ومميزة يجمع بينهما المشترك التاريخي والحضاري واللغة الواحدة.

ففي عام 1922م عقدت في واشنطن معاهدة تاريخية بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا تعد بمثابة الحلف التاريخي بينهما فحاجة بريطانيا إلى أميركا وحاجة أميركا إلى بريطانيا حاجات متبادلة ومتداخلة وسيبقى هذا الحلف الأداة الوحيدة لضمان نفوذ الدولتين المشترك والذي نرى صورته اليوم في أوكرانيا.

ولكن ما دوافع بريطانيا لهذه التحالفات والارتباطات؟

يقول الدبلوماسي المميز والذي أمضى جزءا كبيرا من حياته دبلوماسيًا في بريطانيا: إن القصد الحقيقي من كل هذه التحالفات هو حفظ ما يسمى بالتوازن الدولي وهو الأساس الذي تتوقف عليه حياة بريطانيا وكيانها.

فما هذا التوازن الدولي في العرف البريطاني؟

التوازن الدولي إيجاد وضع دولي يسمح بتفوق بريطانيا على أي دولة أو مجموعة من الدول لكي لا تكون مصدر خطر يهدد الجزر البريطانية، لذلك فكل حركة سياسية أو دبلوماسية تقوم بها بريطانيا تفسر على هذا الأساس، فسفراء بريطانيا ودبلوماسيها من أبرع وأحذق الدبلوماسيين في العالم فقد كانت المرأة البريطانية لا تجد تشجيعًا في الدخول في السلك الدبلوماسي - رغم أن القانون الإنجليزي لا يمنع دخول المرأة في أي وظيفة بسبب كونها امرأة - لأن طبيعتها لا تتفق مع ما تتطلبه الدبلوماسية وهو ما عبر عنه هارولد نيكلسون أحد أبرز أعلام الدبلوماسية بأن العطف الزائد، وأخذ الأشياء على ظاهرها من أبرز صفات المرأة ومن يتصف بهذه الصفة يكون عرضة لتأثير الأشخاص أو الدول، أما الآن فإن الوضع تغير عما كان عليه في السابق فلدى بريطانيا سفراء وسفيرات في مختلف دول العالم.

إن نظرية التوازن هي عبارة عن معادلة بسيطة وهي أن قوة بريطانيا وقوى الحلفاء وقوة الدبلوماسية البريطانية يجب أن يعادل هذا الجموع قوة أي دولة أو مجموعة من الدول فكلما بقيت هذه المعادلة محافظة على طرفيها فإن بريطانيا ستتمتع بالسلام والاستقرار الدائم وإذا ما اختل توازن الطرفين اضطربت بريطانيا، والآن طبقت هذه المعادلة على أوروبا كلها.