قبل أيام أعربت الجمعية اليهودية العالمية عن قلقها من انخفاض عدد اليهود حول العالم، وضربت مثلا بآخر احصائية تفيد بانخفاض عدد اليهود في امريكا من 5.5ملايين نسمة الى 5.2خلال العشر سنوات الأخيرة فقط (وهو ما يعني اختفاء 300ألف يهودي على الأقل) وعزت الجمعية هذا الانحسار إلى قلة الإنجاب، والزواج المختلط، وانسلاخ الشباب من هويتهم اليهودية (حسب صحيفة The Salt Lake Tribune) في 13سبتمبر الحالي).

اليهود المتدينون (الأرثوذكس على وجه الخصوص) لا يقلقهم هذا الأمر لاعتقادهم بوجود قبائل يهودية ضائعة (سترجح كفتهم) عند ظهور المسيح المنتظر!

ويعود هذا الاعتقاد الى زمن موسى عليه السلام حين خرج من مصر ومعه اثنا عشر سبطا من اسباط اليهود (والسبط بلغة العرب يأتي بمعنى قبيلة ويطلق على اليهود خصوصا).. وهذه الأسباط تنحدر من اولاد يعقوب الاثني عشر.. روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وساخر وزبولون ويوسف وبنيامين ودان ونفتالي وكاذ وأشار..

@ وكان هؤلاء الأخوة (قبل أن يتكاثروا ويشكل كل منهم قبيلة) قد عادوا لمصر ليفتدوا أخاهم بنيامين بعد اتهامه بسرقة صواع الملك، وحين دخلوا على عزيز مصر - وعرفوا انه يوسف - طلبوا منه الصفح فقال لهم {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين} وهكذا أحضروا أهلهم إلى مصر حيث عاشوا وكثر عددهم ونسب كل سبط إلى أحد الأخوة.

وحين اشتد عليهم بطش فرعون هربوا بقيادة موسى عليه السلام ولكنهم تاهوا في سيناء لمدة اربعين عاماً - مات خلالها موسى - فقادهم هارون إلى فلسطين.. وهناك أسسوا مملكتين صغيريتين الأولى في الشمال و(تشكلت من عشرة قبائل) والثانية في الجنوب (من قبيلتي بنيامين ويهوذا)..

وفي عام 721قبل الميلاد دمر البابليون المملكة الشمالية فتشتت اليهود في كل اتجاه - ونقل بعضهم كعبيد إلى العراق، ورغم أن المملكة الجنوبية تشتتت بدورها إلا أن (يهود اليوم) ما يزالون يتحدثون عن "القبائل الشمالية" كقبائل مفقودة وأسطورة تنتظر الظهور.

@ ويعتقد بعض المؤرخين أن القبائل العشرة المفقودة نزحت إلى شرق آسيا وافريقيا وروسيا والجزيرة العربية، ويستشهدون بجماعات يهودية ما تزال تعيش في افريقيا (مثل الفلاشا في اثيوبيا، واليمباه في زمبابوي وجنوب افريقيا) وجماعات أخرى هاجرت الى جزيرة العرب واستقرت في البحرين وخيبر والمدينة واليمن.. أما في آسيا فقد وصلت الجماعات اليهودية إلى جنوب إيران والهند والصين واليابان وبورما - في حين هاجر بعضها إلى روسيا وشرق أوروبا!

ويؤمن اليهود المتدينون بأن هذه الجماعات هي الأثر الباقي للقبائل المفقودة وأنها ستعود للتجمع في فلسطين بانتظار المسيح المزعوم.. ورغم الطابع الاسطوري لهذا الاعتقاد إلا أنني شخصيا أميل إليه وأجد ما يسانده، فالمتأمل لقوله تعالى {فاذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا} يفهم أن اليهود سيتجمعون مرة أخرى في فلسطين بعد طول شتات، فاللفيف في لغة العرب هو الجمع الذي تشكل من جماعات مختلفة وانصب في بقعة واحدة - وهو ما نراه اليوم متجسدا في دولة إسرائيل.. أضف لهذا أن تجمع اليهود في آخر الزمان ضرورة لتحقيق وعد الله لعباده الصالحين بالانتصار عليهم و{ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا}.. ومازلت أذكر قول الشيخ الشعراوي: "لو لم يجمعهم الله في مكان واحد فكيف ستقضون عليهم في آخر الزمان"!