هناك نطاق واسع للصراع الأميركي - الروسي، كان الدخول الروسي في أوكرانيا اختباراً حقيقياً لنفوذ الولايات المتحدة في العالم، وفي المقابل، ومن خلال العقوبات الأميركية على روسيا، كان تذكيراً لموسكو بأن العالم لا يزال ضمن الفلك الأميركي، على الرغم من الانتكاسات الأميركية في العراق وسورية وأفغانستان، لا سيما أن روسيا دائماً ما تتحدى الهيمنة الأميركية ضمن الحدود المتاحة في النظام الدولي، إلاّ أن دخولها أوكرانيا مهّد للولايات المتحدة الطريق لضغوط غربية غير مسبوقة قد تعزل روسيا اقتصادياً عن نظام العولمة، وردع محاولات روسيا، على المدى الطويل، عن تحدّي الأحادية الأميركية.

وعلى الرغم من أن ملامح الحرب الروسية - الأوكرانية لم تكتمل بعد، إلاّ أنه تظهر مؤشرات أولية متعلقة بكيفية تعامل الدول في الشرق الأوسط مع هذه الأزمة، خصوصاً في ضوء دينامية العلاقات الأميركية - الروسية، بل الطبيعة المعقدة لهذا النزاع المسلح الذي تحوّل إلى مواجهة اقتصادية وجيوسياسية.

وفي هذا السياق، لا يمكن الحديث عن موقف إقليمي موحَّد، لكن حياد هذه الدول يبدو هو العنوان الأبرز في التعامل مع التوتر الأميركي - الروسي، والذي لم يعد مرتبطاً بالشرق الأوسط، بل أصبح أزمة دوليةً لا تريد الدول العربية خصوصاً أن تكون طرفاً مباشراً فيها، بل كل دولة تُعنى بمصالحها لتفادي الضغوط في ذلك النزاع القائم.

كما أنّ الحرب الروسية - الأوكرانية لا تُلغي انطباعاً شرق أوسطياً مفاده أنّ الولايات المتحدة تتراجع طوعاً في المنطقة، فهي تستعد لاتفاق نووي مع إيران، ولا تدافع عن مصالح حلفائها، رغم أن الشرق الأوسط لا يزال ضمن الأحادية الأميركية في كل جوانب العولمة، من صفقات أسلحة، وأنظمة مالية، وتبادلٍ تجاري، بينما روسيا ليس لديها، بطبيعة الحال، قدرة الولايات المتحدة في التأثير أثناء الأزمات الدولية.

لذلك، في ظل هذه الحسابات، برزت تأثيرات محتملة في دينامية المنطقة، فمعظم دول الشرق الأوسط ترتب أوراقها منذ انتخاب بايدن، وتبادر وحدها بحوارات ثنائية لخفض التوترات فيما بينها، وإيجاد استقطابات جديدة، ولا تريد أن تؤثّر هذه الحرب سلبياً في هذه الدينامية، لا سيما أن اتجاه واشنطن إلى اتفاق نووي محتمل مع إيران قد ينهي عزلة الأخيرة الاقتصادية، ويطلق العنان لدعم إرهابها في المنطقة بشكل واسع، وهذا لا يتوافق مع أولويات الدول العربية أو الشرق أوسطية، حتى ولو كانت حليفة لواشنطن.