بعض اللحظات لا تصنيف لها.. ألا تعرف تلك الملفات في حاسوبك التي لا تنتمي إلى أي مجلد ولا تشترك تحت تسمية واحدة، فتضمها إلى مجلد باسم "أخريات" أو "غير مصنفة" أو "منوعات" بعدما صنفت كل ما عداها من ملفات في مجلدات تخصها، معنونة بوصف واضح لا يدل إلا عليها؟ بعض اللحظات لا تصنف إلا في مجلد العشوائيات. لو لم تمر بنا اللحظات لظلت بلا لون، نحن من نلونها بزاهٍ وقاتم.. أو -لأكون أدقّ- "مشاعرنا"، هذا الجزء المعنوي الخفي النفسي المزاجي منا هو ما يعطي أوقاتنا هوية، وإن عدنا بذاكرتنا الصورية إلى أيامٍ قد مضت لوجدنا لكل يوم لونًا، ولكل شهر لونًا، ولكل سنة لونًا، وتبقى وحدة بناء هذا العمر بأكمله "لحظة"، يحكمها شعور، نحكمها نحن..
أيحتاج المتأخر منا فعلًا إلى أن يدير وقته أم أنه بحاجة لتغيير "طاقم الإدارة" واستراتيجياتها؟ إنا نحن من يدير أوقاتنا، ولكننا ما إن رغبنا بالتغيير السريع أو الفارق نظرنا إلى أيدينا لنجدها مكبلة بعقارب الساعة، وما فكرنا قليلًا بمصدر تلك الأكبال والسلاسل، ألسنا صانعيها، بأيدينا؟ ألم نكبلها نحن، بأيدينا؟
إن هذه الحالة من الضياع والتي نحن العامل الأكبر في وجودها -وربما المسبب الوحيد- ليست سوى وهمًا يزم مقتبل العمر إلى أواخره ويجعل أعمارنا تبدو لنا قصيرة جداً، حُرِمَت فيها إرادتُنا من تطريزها؛ لكن الإبرة هنا، والخيط هنا! والنقش مخبوء في العقل ههنا! وكل ما نفعله هو الانتظار، ونشكو الانتظار، ثم نشكو العجز، ثم نشكو الحظ، ثم ننظر إلى صورنا في المرآة بكل شفقة أو غضب أو ازدراء أو بؤس، ونندب ما فات من العمر ونستصغر ما تبقى لنا منه.. فتكون رحلتنا كلها، كلها، بلا عنوان.. وبلا تصنيف.. ويُلقى بها -ثم بنا- في مجلد العشوائيات.
سارة خالد
التعليقات