لا أعرف من الذي يستحق لقب الأديب أو المفكر أو الكاتب الكبير، لكنني سوف أفترض، أنه ذلك الذي له إنتاج أو مؤلفات، جعلته معروفاً عند المهتمين بالقراءة وعند أقرانه. هذه الفئة من المشتغلين بالكتابة في الغالب رقيقة الحال، محدودة الدخل، منطوية على نفسها أو منطلقة، سليطة اللسان أو مربوطة اللسان، وقد تكون حذرة ومتوجسة من أصحاب القرار، والبعض من هؤلاء لا تعرف له وجهاً من قفا، تجده غالباً في ركاب المشغول، سواء كان صاحب مال أو سلطة لعله يغدق عليه شيئاً من فتاته يقضي به التزاماته الحياتية.

كل هذه الفئات، فيها الموهوب، وفيها المجتهد، وفيها الذي يقاس إنتاجه بالكيلو ولا يجد مشترياً. هذه حالة أو نظرة عامة، تخص أهل الحرف أو القلم أو الكلمة في كل مكان في العالم! هذه الفئة من الناس البارز منهم في بلدانهم يتصدرون المجالس، وتطلق أسماؤهم على الشوارع والمدارس والمكتبات وقاعات المحاضرات، وهم حاضرون في مناسبات بلدانهم الداخلية والخارجية، وبعضهم يحوز على الجوائز والتكريم كافة عند بلوغ مرحلة عمرية معينة، أو عند صدور كتاب جديد، وكل تكريم يتوج عادة بمكافأة مالية تعين هذا الكاتب على تكاليف الحياة، وتقيه ذل السؤال، خصوصاً أن إيرادات الكتب والمقالات التي يبذل فيها الجهد مردودها المالي يكاد يكون صفراً.

لذلك تلجأ بعض الدول -إضافة إلى التكريم- إلى شراء بعض المؤلفات، لتقوم بتوزيعها على دور الدرس، وإرسال بعضها إلى قنصليات أو سفارات الدولة في الخارج، وإلى دور الكتب أو المكتبات، الجامعية والعامة، لعلها تكون عوناً للدارسين في تلك الدول ودعاية للدولة المرسلة.

وقد تصالحت دول العالم على تسمية الإنتاج الإبداعي، مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً، بالقوة الناعمة! مثله مثل الطاقة والصناعات الثقيلة والخفيفة، والجامعات المرموقة، ومراكز الأبحاث، والآثار. ولأن المنخرطين في هذه الفئة، يتحرجون من الشكوى لصالحهم أو لصالح غيرهم، خاصة أن بعضهم بعيد عن المناسبات الثقافية كافة، لسبب يرجع إليهم أو يرجع للقائمين على هذه المناسبات؛ فإنني آمل أن يتم وضع خطط من شأنها أن تحفظ للكاتب حقه في أن يكون مثل غيره وأحسن، خاصة أن هذا البلد هو الموطن الذي صارت فيه اللغة العربية على ما هي عليه، وهو البلد الذي يشهد حراكاً على الصعد كافة، وإلى ذلك هو بلد داعم للعديد من الأنشطة وعلى مختلف الصعد، وليس بكثير أن يحظى أبناؤه بالرعاية التي تسهم في مزيد من الانتشار لإنتاجهم داخلياً وخارجياً، من خلال مراكز ثقافية متخصصة ترعاها وزارة الثقافة، ومن خلال إنشاء الجوائز الكبيرة والمتوسطة والتشجيعية، في حقول المعرفة كافة، وأن تطلق أسماء البارزين منهم على بعض المعالم مثل الشوارع والمدارس، وأن يدرس إنتاجهم في المدارس والجامعات، وأن تؤمن لهم رعاية صحية ومادية. إن خطوات رمزية مثل هذه سيكون أثرها كبيراً على النهضة الثقافية وعلى تشجيع أهل المعرفة للانصراف لما نذروا أنفسهم له من دون قلق على الصحة، والسكن، ولقمة العيش!