اليوم وغداً، كما قيل في أخبار الطقس، قد نشهد انخفاضاً شديداً في درجة الحرارة، قد يصل إلى 5 درجات تحت الصفر، وسوف تشمل هذه الدرجة المنطقتين الوسطى والشمالية؛ ولأنني من سكان المنطقة الوسطى، فإنني سوف أكثف استعداداتي، مثلي مثل أهل منطقة الرياض حيث أعيش، مع هكذا موجة قاسية، لم نتعود عليها أو نشاهدها أو نشعر بها منذ سنوات طويلة؛ أبرزها كانت قبل نصف قرن، عندما سمعنا عن عثور أحد موظفي أحد القطاعات التجارية، على حارسهم ميتاً، في الكابينة التي كان يجلس فيها يومياً لحراسة المنشأة، وكان الحارس عندما وُجد ميتاً متلفعاً بعباءة ثقيلة، وعلى جسده بالطو، لو الذي بداخله حجر وليس إنسان، لشعر بالبرودة، وليس الدفء المنشود؛ أما نحن الطلاب وكنا نسكن على أطراف شارع الخزان، فقد وجدنا عندما خروجنا من غرفنا استعداداً للإفطار والذهاب إلى الدرس، أن الحنفيات التنكية التي ينزل منها الماء من السطح، قد توقفت مياهها عن الجريان، فقد أصبح ماء الحنفية كتلة ثلج! حتى الأوعية أو الكوؤس الألمنيوم، التي كنا نشرب منها كانت بقايا الماء التي تركت فيها قد تثلجت! ولكم بعد ذلك الاستنتاج عن حالنا وحال غيرنا في تلك الأيام، التي لم تكن فيها من وسائل التدفئة، إلا الحطب وشرب الزنجبيل! ومن ينزل سوق البطحاء في تلك الأيام، سوف يجد ملابس الشتاء الفلكلورية شاهدة للعيان، أبرزها «أكوات» مثل التي كان يرتديها «هتلر وتشرشل»، مسبقة الاستخدام، ومستوردة بنفس علاماتها العسكرية، من أسواق الخردة الأوروبية! وهذه «الأكوات» كانت تظهر في محلات في مقدمة السوق، يخطر بها العوام في الأحياء الشعبية، ولم نكن نرى الأردية الشتوية الفاخرة إلا خطفاً، ونحن نتجول في شارع الوزير، وبعض الأسواق والمصالح العمومية؛ وكان احتفالنا بالبرد أو هروبنا منه أو اتقاؤه يتم عندما نجتمع يومياً على شبة الجمر والزنجبيل في سكننا الجماعي، فلم تكن وسائل التدفئة الحديثة قد وصلتنا في تلك الأيام! وما نفعله في الرياض كنا نفعله في منزلنا بالمدينة المنورة، حيث نجتمع كل مساء أمام موقد صغير فيه جمر وعليه إبريق فيه حليب بالزنجبيل والسكر، كنا نحتفل بالبرد في المدينة، فقد كان حبيباً يستحق الاحتفال؛ أما هذا البرد الذي نشهده اليوم أو غداً، فقد يكون من برد كنا نصفه بأنه يقص المسمار! وقد رأيت مثله في مدن أوروبية، كان الناس فيها يركضون، عند رغبتهم الانتقال من مكان إلى مكان، لكن الميزة عند سكان تلك المدن تمتعهم بالتدفئة الداخلية المميزة الجميلة، فأنت حال دخولك الدار تنزع الرداء الشتوي في المدخل دون أن تشعر أن هناك أجهزة للتدفئة، باستثاء مواسير بيضاء ممدودة في الممرات والغرف تشيع الدفء في المكان كله وعلى مدار اليوم، دون أن تشعرك بالضيق أو كتمة الصدر كما هو حال المكيفات ونيران الحطب!
التعليقات