«أنا أقدر الفن بل الفنون ومنها الشعر فهناك عدد من الشعراء لا يحصى ومنهم القليل يتصف بالجودة بحيث لا يشكلون رقماً هائلاً لهذا، فعدم وجود الشعراء شيء لا يصيبني بالخيبة‘ ولكن الشعر يضم كل الفنون ..»

(م.غ.ثربانتس)


قال الشاعر الراحل (أحمد قنديل) في مقدمته لديوانه الشعبي (المرْكاز) وقت صدوره 1965: لما كانت المراكيز -جمع مركاز طبعاً- في بلادنا تقوم مقام الأندية في البلاد الأخرى، ولما كان (المركاز) في كل سوق وحارة ولدى كل مقعد -ديوان- أصل المجتمع الأصيل في البلد، فإننا بناء على توصية ومرافعة الواد (كوكو) ودفاع اليابا (دنقش) وشهادة العمدة (بربور) وحسب إجماع (البشكة)، قد اعتمدنا أخيراً تسمية مولودنا البكر الشعبي باسم المركاز! ص7 - ج1 - المركاز.

الشاعر أحمد قنديل الذي لاقى ربه عام 1979، لم يكن شاعراً شعبياً فقط، فهو من رواد الشعر والأدباء السعوديين الأوائل.

عرف في الداخل والخارج كأديب له خصوصيته التي يتفرد بها في الجمع بين الأدب الرصين والجاد والأدب الساخر المتسم بالطابع الشعبي واللغة المحكية في المنطقة الغربية من الكيان الكبير، لقد مارس الكتابة نثراً وشعراً على المستويين العربي الفصيح والشعبي، شاعراً وقاصاً وكاتب سيرة، أصدر عدداً من الكتب النثرية والدواوين الشعرية منها (جدة عروس البحر - شمعتي تكفي - مكتي قبلتي - أغاريد -أصداء - الأبراج - نار) كل هذه دواوين من الشعر الفصيح، وفي الرواية: -أبو عرام والبشكة- وفي السيرة والمذكرات – الجبل الذي صار سهلاً-، وكان مهتماً ومحباً للفن إلى جانب الصحافة والكتابة، صادق الفنانين والصحفيين والأدباء، وأنشأ مؤسسة قنديل للنشر التي أصدر منها بعض كتبه، وكتب من خلالها بعض الأدباء.

القنديل الآن في طي النسيان -بالنسبة للجيل الحالي -بسبب عدم مواصلة طباعة كتبه طبعات جديدة كغيره من بعض الرواد الذين ذهبوا وذهبت كتبهم معهم، لقد كان من أول المساهمين في التعريف بالأدب السعودي خارج البلاد، فقد عقد صداقات ثقافية مع مثقفين عرب لهم مكانتهم في مصر ولبنان -كمثل- وتلقى القبول/التعريض على بعض مؤلفاته التي قدمها للبعض من الأشقاء، كالناقد اللبناني الشهير مارون عبود الذي تناول أحد دواوينه المبكرة بالنقد اللاذع الساخر، وكان تعليق القنديل ببيت الشعر الشهير:

وإن يؤاخذك نقاد ببادرة

فليس يرجم إلا مثمر الشجر

لأنه لم يكن وحده من ناشه لسان عبود، فمعه أدباء عرب كبار وشعراء مثل: (بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، عمر أبو ريشة، سعيد عقل، وغيرهم.

خطرت هذه الهواجس الكتابية عندما تصادف وأنا أبحث عن كتاب في مكتبتي الخاصة التي أجد فيها زادي، فهي زوادتي التي أستعين بها في السفر والتنقل الفكري في أجواء ومساحات المعارف العامة، صادفني (المركاز) وتذكرت (أبو القناديل) كما يدعوه رفيق دربه محمد حسن زيدان الأديب المؤرخ صاحب (كلمة ونص) الخاطرة الإذاعية التي كان يقدمها الزيدان بصوته عبر الأثير من الإذاعة بجدة.

كل هدفي الذي أنظر إليه أن تكون هناك نظرة إلى استحضار نتاج الرواد الأوائل ولو بعض ما يُرى أنه يستحق أن يطّلع عليه الجيل الجديد كربط للحاضر بالماضي، ولو أن هناك بعض الومضات فيما سميت بعض الجوائز والشوارع بأسمائهم، ولكن كتاباتهم تغيب عن الواجهة المشرقة في هذا العهد الذي انطلقت فيه بلادنا إلى آفاق مباركة يتمثل بما ظهر من إنجازات مذهلة في مجالات عديدة كانت أحلاماً فأصبحت واقعاً وفاقت المتخيّل في وقت قصير تجاوزت فيه من كان يُنظر إليهم كنماذج للتطور والنماء الفكري بمراحل عديدة.

يختم القنديل مقدمة المرْكاز بهذه الكلمات:

«أما بعد يا عباد الله -فإن بضاعتنا المزجاة والتي هي من بلادنا تاريخ للتاريخ يعرضها عليكم (مركازنا) بروحها البلدي المتمثل في مثلنا الشعبي (-ذُوقْ تِعْرِفْ-»

*أبيات:

قال ابن الرومي يصف الطائف ويحن إليها:

«أجنت لك الوجد أغصان وكثبان

فيهن نوعان تفاح ورمان»

وقال القنديل مكملاً:

ومشمش وكمثرى جنبها عنب

وبين ذلك كوسا أو بذنجان

ورجلة وفصوليا أو باميــة

وكل ما يشتهي طاو وشبعان

فإن تمشيت هاج الجوع ساكن

وإن تفرجت سالت من ريقان

محمد حسين زيدان
مارون عبود
عمر أبو ريشة
بشارة عبدالله الخوري
سعيد عقل