تعالت أصوات أهالي قرية البديعة الواقعة "غرب بريدة ب 250كم" مناشدة الجهات ذات العلاقة بالتدخل العاجل لمنع الاضرار الصحية التي لحقت بهم وبمواشيهم ومزارعهم نتيجة تسمم مياه آبارهم بسبب شركة تعدين تجاور قريتهم.

"الرياض" زارت القرية وأجرت العديد من اللقاءات.

سنوات من المعاناة

سعيدان بن مرزوق الحربي تحدث ل "الرياض" عن المشكلة قائلاً: بداية مشكلة أهالي البديعة مع التسمم كانت عام 1418ه عندما لاحظ الاهالي تغيراً في مياههم التي اعتادوا عليها ويتمثل هذا التغير في الطعم والرائحة ومصاحبة هذا التغير لظواهر صحية لم يعتادوا عليها مثل احمرار العيون وتحسس في الجلد وفي هذا الوقت بدأ السكان في التساؤل عن اسباب هذه الظواهر الصحية والتغير في مياه آبارهم!؟

وقد اتضح للأهالي ان هذه الاسباب هي ناتجة عن تلوث المياه الجوفية بالمواد السامة الناتجة من برك تجميع المخلفات الكيميائية الناتجة عن اعمال شركة التنقيب عن الذهب المجاورة للقرية.

أضرار صحية متعددة

كما تحدث ل "الرياض" مرزوق بن مقبل فقال لاحظت في بداية المشكلة تأثر عدد من ابنائي بظواهر صحية غريبة وقد راجعت مركز صحي القرية المجاورة وقد اتضح بعد ان حولنا لعدة مستشفيات بخلل في الكلى، ومنذ ست سنوات وانا أعاني من مراجعات عدة مستشفيات وفي هذه الاثناء اتضح اصابة عدد من ابنائي وهم "فيصل وعبدالعزيز" بداء السكري اضافة لبنتي اللتين اصيبتا بداء السكري ايضاً ولتساقط شعور بعض البنات وهذا حدث قريباً.

كما تحدث ل "الرياض" عوض بن شباب فقال: حدثت حالتا اجهاض لزوجتي وكانت الاولى في عام 1419ه والثانية في 1421ه أما الحالة الثالثة فتم استئصال رحم زوجتي وبداخله الجنين. وقد تبلغت ان الاسباب غير معروفة وهذا والله اعلم اسبابه تأثر من التسمم الذي تلوثت فيه المياه علماً ان لدي اولاداً قبل المشكلة وهذه الحالة لم تحدث من قبل بعموم القرية وما حدث لزوجتي حدث لغيرها فالاجهاض تكرر من عدة نساء بالقرية.

وأضاف عوض ان جاري (محمد منور) حدث لديه تشوهات خلقية في ابنائه وبعد فترة توفوا وقبل حدوث التسمم لم تحدث أي حالة.

أضرار زراعية وحيوانية

المزارع صنيتان الحربي قال: تأثرت المزارع بسبب جفاف المياه الناتج عن عمليات (الضخ العكسي) وهو عملية نزح المياه الجوفية بهدف تقليل منسوبها للحد من التسمم فقد ماتت النخيل والمزروعات. واضاف صنيتان الحربي انني أعمل بالزراعة بالقرية منذ اثنين وثلاثين عاماً وهي مصدر رزقنا وقد تكبدت عناء حفر البئر بيدي وتحملت مبالغ مالية كبيرة والآن اصبحت المزرعة ارضاً بوراً لا تنبت ولا يمكن الاستفادة منها رغم ان هناك بعض المزارعين اقترضوا مبالغ سواء من الدولة او من افراد.

نفوق مئات المواشي

صنت بن جدوع قال: كنت أملك عدداً كبيراً من الماشية وقد تسبب تلوث المياه في نفوق عدد كبير منها. واضاف صنت نفق من المواشي التي املكها حوالي 250رأساً في سنة واحدة وتبعها في السنوات الماضية عدد من حالات النفوق لا تقل عن خمسين رأساً في السنة الواحدة.

تعامل الشركة مع المشكلة

عندما أدركت الشركة حجم المشكلة الناتجة عن اعمالها قامت باغلاق ثلاث آبار واخذ تعهدات على اصحابها بعدم استخدامها مهما كانت الظروف ووعدت اصحاب الآبار المتضررة بمدهم بالمياه لهم ولمزارعهم ولمواشيهم وهذا الوعد ذهب ادراج الرياح فالشركة لم تمد جميع السكان المتضررين بمياه الشرب او سقيا المزارع او غيرها بل اكتفت بمد مياه الشرب لثلاثة منازل فقط!! وما ذنب بقية السكان المتضررين؟ كما ان الشركة عوضت ثلاثة مزارعين فقط دون البقية! تساؤلات بحاجة لاجابة عاجلة؟؟.

كما قامت الشركة بمحاصرة القرية بعشرات من الآبار بدعوى احتواء التسمم بعملية الضخ العكسي وهذا أدى الى نضوب الآبار بالقرية بشكل شبه تام.

وهذه الآبار تعددت خطورتها فهي تخلو من السياج وتربض بطرق السائرين خاصة في الليل.

كما ان الشركة اغفلت الدور التوعوي فهي لم تقم بتوعية الاهالي بخطورة الوضع وكيفية التعامل معه.

ومع الاسف فإن الشركة زادت الطين بلة بتلويث الهواء من نواتج عمليات التكسير.

تقارير طبية

أكد تقرير صادر عن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث ان عينات المياه التي اجري عليها اختبارات كيميائية والسمية والجرثومية غير صالحة للاستهلاك البشري وان التحاليل المخبرية للعينات تفيد بوجود تركيز مرتفع من الزئبق والسليونيوم يزيد عن الحد الاقصى المسموح به من هذين العنصرين كما احتوت عينة على تركيز مرتفع من الزرنيخ وعينات اخرى ملوثة بالبكتيريا.

كما اوضح تقرير صادر من المديرية العامة للشؤون الصحية بالقصيم وجود عناصر ضارة في مياه آبار القرية.

الصيدلي ناصر بن علي الشهري اخصائي معلومات الادوية والسموم بمستشفى القوات المسلحة بالرياض قال: الزرنيخ من المواد ذات السمية المعروفة وقد يؤدي التعرض له لبعض الاعراض الحادة والخطيرة والتي تشمل اليرقان، اضطرابات الجهاز الهضمي، والقناة التنفسية، وتضخم الكبد، وبعض التغيرات، والاصابات التي تظهر على الجلد مثل الالتهابات الجلدية الشبه اكزيمية كما ان مركبات الزرنيخ تعتبر من المواد المسرطنة التي تتسبب بسرطانات (الرئة والجلد والمثانة وربما الكبد) أما الزئبق فهو من المواد ذات التأثير السمي الواضح حيث تظهر اعراضه على شكل التهابات بالفم واللثة واضطرابات الجهاز الهضمي وفقدان الوزن بالاضافة الى بعض الاعراض الغامضة التي تم رصدها عن طريق بعض الدراسات التي تعرض العمال الى كميات من الزئبق عن طريق رذاذ او بخار المادة بالاضافة الى ذلك فإن التعرض الى الزئبق قد يؤدي الى بعض الاختلالات العصبية والكلوية والاصابة ببعض الحميات وبعض الاضطرابات الذهنية أما مادة السيانيد فهي من المواد ذات السمية العالية والتي قد تؤدي الى الوفاة بعد الاصابة ببعض الاعراض مثل التورد وزيادة الخفقان ومعدل التنفس والاصابة بالصداع والهياج والاغماءات.

الجدير بالذكر ان الوفاة بسبب سمية السيانيد قد يحدث خلال دقائق من التعرض له بسبب اعراض التسمم الحادة. أما السليونيوم فهو من المواد التي قد يسبب التعرض لكميات مرتفعة منها الى الاصابة بفشل القلب والدورة الدموية والوذنة الرئوية ومن الاعراض ذات الدلالة على التسمم بمادة السليونيوم والتي تساعد على تشخيص الحالة هي انبعاث رائحة شبيهة برائحة الثوم من نفس المريض.

ماجد الحربي يقول: ان الانسان المطلع على اوضاع هذه القرية يتألم لخطورة الوضع المحدق بهذه القرية الضعيفة فالشركة قد اضرت بأهالي القرية الهادئة فقتلت واصابت اناساً صغاراً وكباراً واطفالاً لا ذنب لهم سوى وجودهم بتلك القرية التي لم تجد التفاعل المطلوب من الجهات ذات العلاقة فالاطفال مرضى والنساء قد اجهضت وآخرون ماتوا.

والله أعلم بالمستقبل في ظل الاوضاع المتردية ما لم تتدارك الجهات ذات العلاقة بالحلول المناسبة لهذه القرية. فمع الاسف عندما يصدر تقرير من جهة موثوقة مثل مستشفى الملك فيصل التخصصي بمنع استخدام المياه للانسان والحيوان والاهالي لم يبلغوا فهذه جريمة بحقهم علماً انهم يستخدمون المياه حتى تاريخه!؟.