منذ أن بزغت رؤية 2030 فقد وعدت وبشَّرت بكيان اقتصادي وطني قوي ذي قاعدة صلبة وبناء متماسك يعتمد على مجالات اقتصادية متنوعة تتميز بالاستدامة المالية القادرة على دعم خزينة البلاد بعيدًا عن دخل النفط المتذبذب وغير المستقر علمًا بأن النفط يعتبر من المصادر الثمينة التي لا تزال تتمتع بعصرها الذهبي الذي يفرض استخدامها والتعامل معها بكل عناية فائقة ودقة متناهية ليس من أجل تصديره كمادة خام فحسب بل اشتقاق منتجات صناعية حيوية قيِّمة يمكن استهلاكها محليًّا أو تصديرها وبيعها بعملات صعبة ذات دخل ودعم وثراء للأقتصاد الوطني، كما أننا لا نغفل أن النفط مصدر طبيعي قابل للتلاشي والنضوب، علينا أن نستخدمه بكل حكمة وحنكة وكفاءة وترشيد. ولم تخل أهداف الرؤية من مراس متوقع يقلل المجهود ويزيد من حجم الفائدة، وذلك عندما أعلنت التوجه في استبثمار الموقع الجغرافي "الاستثنائي" للمملكة. ومن ثم توظيف موارد البلاد الاقتصادية المتاحة، ويعتمد هذا التوجه على وجود دراسات ميدانية أجمعت على أن المملكة لديها موارد وثروات وإمكانات معدنية لم تستثمر بعد، وأن الاستثمار الأمثل لهذه الموارد والثروات الإمكانات لقمين بتحقيق كامل التطلعات والآمال المرجوَّة. إن مؤشرات نجاح هذه الرؤية تبشر بالخير وتدعو للارتياح وتبعث على الاطمئنان، فبجانب موقع المملكة الجغرافي فهي إحدى دول مجموعة العشرين وصاحبة أكبر اقتصادات الشرق الأوسط وأسرعها نموًا وتطورًا بل وتتميز بأن أغلبية النسيج السكاني الذي يتجاوز تعداده 35 مليون نسمة هم من فئة الشباب المتعلمين المؤهلين وثلثاهم دون 35 عاما، يضاف إلى ذلك أن اقتصاد المملكة آخذ في التحول نحو العالم الرقمي والذكاء الاصطناعي والمدن الذكية، وكل هذا وذاك يؤكد حقيقة مهمة وهي أن المملكة مقبلة بفضل الله على انفتاحات اقتصادية غير مسبوقة سيجعل منها بؤرة اهتمام ومحط أنظار الاستثمارات في المنطقة والعالم سواءً من قبَل الشركات العالمية أم من المستثمرين الأفراد، وبين فترة وأخرى تفاجئنا الرؤية بأفكار وبرامج ومشروعات مستجدة وطموحة تؤكد أنها نجحت في مسعاها وتحقيق أبعد مدى نحو بناء دولة حديثة بمفهوم اقتصادي حديث يواكب ويتناغم مع مواصفات اقتصادات الدول الصناعية الكبرى بالاعتماد على الانتاج ومشروعات التقنية والرقمنة والذكاء الاصطناعي والاستكشاف والابتكار وريادة الأعمال. ولأن للرؤية منهجية راسخة تنتهجها بدقة واضحة وخطوات متدرجة تخطوها بعناية فائقة فقد اختطت لها مرحلة مهمة في مسيرة تنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني وإطلاق الفرص الواعدة أمام المستثمرين للمساهمة في بناء اقتصاد مكين الأساس ثابت البنيان، ولقد جاء إطلاق الاستراتيجية الوطنية للاستثمار في وقت مناسب بعد نجاح المملكة في السيطرة على جائحة الكورونا والتوجه نحو الانفتاح الشامل وبدء مرحلة جديدة من العمل الجاد لتعويض ما خلفته تلك الجائحة من بطء في الأعمال وتراجع في الخدمات وإغلاق بعض القطاعات الاقتصادية، كما جاءت هذه الاستراتيجية حاملة معها إيجابيات لاحدود لها بما ستتمخض عنه من فرص استثمارية واعدة أمام من يرغب من المستثمرين لما لها مردود مجز سيعود عليهم، لقد قادت المملكة جهود الاستجابة الدولية لهذه الجائحة وآثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية، والآن وبعد أكثر من عشرين شهرا لايزال الاقتصاد العالمي يعاني من تبعاتها، فبالرغم من رحلة التعافي التي بدأت في بعض الاقتصادات إلا أن الدول ذات الدخل المنخفض كانت تعاني صعوبة توفُّر اللقاحات والحصول عليها، ومن هنا تبرز أهمية المملكة كعضو رئيس في مجموعة العشرين لتعزيز التعاون والمساعدة في حصول تلك الدول على اللقاحات لما تتميز به من مركز مالي ونفوذ اقتصادي يجعلها طرفا مؤثرًا في صنع السياسات الاقتصادية العالمية، ولقد استطاعت المملكة من خلال رئاستها لمجموعة العشرين تحقيق الأجندة الرئيسة للمجموعة وموافقتها على العديد من المبادرات لدعم الاقتصاد العالمي في مواجهة جائحة كورونا والمحافظة على صحة الإنسان وسلامته، وهذا بالطبع تأكيد على أنَّ مشاركة المملكة تعد استكمالاً لخارطة طريق العمل الجماعي المشتركة الذي تقوم به جميع الدول الأعضاء في سبيل زيادة الاستثمارات المحفزة للأمن الغذائي والأنظمة الغذائية والتنمية الإقليمية المستدامة ومعالجة التغير المناخي ورفاهية البشرية وحماية البيئة وسلامة الكائنات الحية على هذا الكوكب إضافة إلى ما توليه المملكة من اهتمام كبير لهذا المحور والذي يظهر جليا في مبادرات "السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر" وهما المبادرات التي أطلقهما صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع يحفظه الله والتي تم العمل بها مع الشركاء الدوليين في رفع مستوى العمل المشترك في دبلوماسية المناخ، ونحن نفخر بما حققته المملكة من الفرص والانجازات المبهرة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- من العمل نحو مستقبل مشرق يعززه اقتصاد متنوع ومستدام حيث تشكل الاستراتيجية الوطنية للاستثمار أحد الروافد الغنية لتحقيق تلك التطلعات الطموحة والوصول للأهداف المتوخاة بمشيئة الله. ومن جانب آخر استأثر قطاع الطاقة المتحددة بنصيب وافر من الاهتمام ضمن أهداف رؤية المملكة 2030 نحو بناء قطاع طاقة متجددة مستدام يشمل الصناعات والخدمات وتوطين التقنيات وتأهيل الكوادر البشرية، ويتبلور ذلك في تحديد الأطر الرئيسة لبناء هذا القطاع مع ضرورة إيجاد مزيج متوازن من الطاقة في المملكة عبر إدخال مصادر الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة الوطني لتحقيق النمو والازدهار وتعزيز أمن الطاقة، وتشمل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، بالإضافة إلى تطوير مشاريع الطاقة المتجددة القائمة في مناطق المملكة سعيًا لتفعيل وتعزيز دور الطاقة المتجددة في منظومة الطاقة وفي المنظومة الاقتصادية على حد سواء، وذلك بالتوجه إلى زيادة المحتوى المحلي في سلاسل القيمة الصناعية والخدمية وتوطين الدراية الفنية فيها واستثمارها تجاريا، وتأهيل رأس المال البشري اللازم للتشغيل، ولقد التزمت المملكة بإيجاد سوق تنافسي محلي للطاقة المتجددة ووضعت له منهجية واضحة تضمن تنافسية الطاقة المتجددة، ووفرت التمويل اللازم من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص وعملت المملكة على توطين نسبة كبيرة من سلسلة قيمة الطاقة المتجددة، لتحفيز القطاع الخاص والمستثمرين المهتمين بهذا المجال الحيوي للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في المملكة لتحقيق رؤيتها الطموحة التي حظيت بدعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان يحفظهم الله.

لقد دعمت القفزات الحثيثة الواسعة في التحوُّل الرقمي بالمملكة جهودَ التنوُّع الاقتصادي والتخطيط الاستراتيجي في كل القطاعات من خلال رؤية وطنية رقمية منظمة مثالية، كما أن هذه النقلة الرقمية السريعة تبين أن المملكة أول دولة تطلق سياسة للاقتصاد الرقمي تعكس فيها توجهاتها في عالم الاقتصاد الحديث ولهذا كان لها قصب السبق على مستوى دول مجموعة العشرين في التحول الرقمي الصاعد حيث قفزت 149 مركزًا، وفي تقرير "ممارسة الأعمال 2020" الصادر عن البنك الدولي حققت المملكة المركز الأول عالميا بين 190 دولة على مؤشر إصلاحات بيئة الأعمال.