دخلنا منذ عامين بطوعنا واختيارنا، بما بتنا نطلق عليه متلازمة الكوخ! وهي متلازمة حمالة أوجه، فقد يوحي جلوسك في الكوخ بأنك رجل مرفه، تحرص بين وقت وآخر على الإقامة في منتجع جبلي وافر الخضرة جيد الهواء، كل مبانيه أو مساكنه من الأكواخ الخشبية الجيدة التي نراها في منتجعات أوروبا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا، وقد يوحي وجودك في هذا المنتجع أو الكوخ بأنك مالك لقطيع من الغنم والبقر والكلاب الرعوية، وأنك تقوم كل فجر بجولة مع هذه الرعية المطواعة انطلاقاً من كوخك حتى تمكن رجليك من الانطلاق والتجوال في الروابي الجبلية الخضراء؛ لكن الحقيقة غير ذلك تماماً؛ فهذا الكوخ بات رمزي الدلالة، فهو يعني بصريح العبارة أن تحبس نفسك بطوعك واختيارك في دارك خوفاً أو تحوطاً من الأدران الجديدة، وألا تبرح هذا الكوخ أو البيت الإسمنتي الصارم إلا للشديد القوي، وأبرز علامات هذا الشديد القوي أن يزورك الرشح أو العطاس أو الكحة أو الحرارة الخفيفة اللطيفة التي اعتادت الوجود مع قرب الشتاء.

كل هذه العوارض أو بعضها سوف تدخلك حالاً إلى عالم الوسواس الخناس لتذهب في عجلة من أمرك إلى مقار التطعيم أو إلى أحد المستشفيات لإجراء امتحان الكورونا أو أخذ المسحة خوفاً من تسلل الخبيث إلى كوخك؛ حينذاك لك أن تتخيل حال سكان الكوخ وجيرانه وزواره معك ومع أنفسهم!

هذه المتلازمة عبرناها كلها أو بعضها بعد أن حبسنا أنفسنا شهوراً طويلة ومنعنا من العمل والسفر وأحياناً التجوال حتى في الحي؛ فأخذنا، بعد أن خفت هذه الجائحة، نخرج من منازلنا ونمارس الفرح، ومعه أداء ما تعطل من أعمالنا والتزاماتنا؛ بل إن بعضنا أخذ يعد للانطلاق خارج الحدود آمناً مطمئناً باتجاه الدول التي خرجت أو في طريقها للخروج من متلازمة الكوخ!

من ناحيتي، ولرعب متأصل من الأمراض، كنت في بداية انتشار هذه الجائحة خارج البلاد، فلم يمض وقت إلا وأنا أحل في مطار الرياض، وحال شيوع التطعيم كنت قد أخذت التطعيمتين، حتى رياضتي المسائية في شوارع الرياض على قلتها وعدم انتظامها، كنت لا أخرج لها إلا وأنا بالغ التكميم والتعقيم والتحوط، وكأنني من مواطني الأسكيمو، مردداً شعار الكوارث: يا روح ما بعدك روح!

وبعد أن هدأ بالنا أو قارب الهدوء؛ أتى إلينا وافد من وافد، قيل إنه سوف يكون أشرس وأكثر خصوبة من والده، وكان هذا الفيروس أو الوافد الجديد قد ذهب -كما هي عادة مواطني العالم الثالث- إلى العالم الأول؛ أولئك بحثاً عن القوت، وهذا بحثاً عن الفتك؛ الغريب في الموضوع أن البلد الذي تسلل منه هذا المتحور، من دول الكومنولث، تلك الدول التي كانت من رعايا التاج البريطاني! وافد جديد أو متحور جديد، سوف يقلب النقاهة التي دخلنا فيها رأساً على عقب!