الأيام الماضية كنت أقرأ رواية هنري جيمس «ساحة واشنطن»، حين بدأت القراءة تذكرت أنني شاهدت الفيلم الذي يحكي قصة الرواية قبل سنوات، وخلال القراءة وبعد أن انتهيت منها، اكتشفت أنني استمتعت بالرواية أكثر بكثير من مشاهدة الفيلم.

وبدأت بعدها الأفكار التي تصاحبني بعد أن أقرأ عملا عظيما، هل كان هنري جيمس نسويا؟، في الفترة التي عاش فيها كانت الحركة النسوية على أشدها، لكنه لم يكن يصنف كذلك على الرغم من أن الكثير من رواياته تحمل هذا الانحياز للمرأة وتعبر عن الظلم الذي تقع تحته.

في رأيي الذي أذكره دائما أن الأدب العظيم ينحاز للإنسان بالرغم من المواقف المعلنة للكاتب، أو غير المعلنة حتى. قد يصمت الكاتب عن إعلان رأيه في الكثير من الأمور، والرواية في النهاية أدب خالد يبقى ليتمكن شخص مثلي يعيش في القرن الواحد والعشرين من التعاطف مع بطلة رواية عاشت في القرن التاسع عشر.

ولو قرأ شخص يتهم أي كاتبة عربية بأن همومها محصورة في علاقتها بالرجل هذه الرواية، لا أعرف ما التهم التي يمكن أن يوجهها لهذا الكاتب الذي كان يعتبر من المحافظين. خصوصا أن الشخصيات الذكورية في الرواية هي شخصيات إما متسلطة وحاقدة أو وصولية لعوب، ويتبادر إلى ذهني سؤال الآن، هل يمكن إطلاق وصف لعوب على الرجل، أعتقد نعم ولذلك أصر عليها ولن أمسحها.

انتهيت الآن من التعليق على الرواية وسأبدأ بالحديث عن أهمية قراءة الأدب الكلاسيكي، وبدءاً سيكون السؤال: ما الأدب الكلاسيكي؟، إجابتي لن تكون شاملة لكن الأدب الكلاسيكي هو الأدب الخالد، الأدب الذي عاش سنين طويلة يستحوذ على إعجاب غالبية الأدباء على مر العصور، ويهمني أن أذكر ذلك لأنني مهتمة أن يحرص الكتاب الشباب على قراءة الروايات الكلاسيكية، العربية والعالمية، لأن القراءة لا تخضع للموضة، وكما هو مهم الاطلاع على التجارب المعاصرة، الأهم هو خلق هذا الأساس من القراءة المتينة التي تكون ذائقتك وفهمك، لا يعني ذلك أن الروايات الحديثة ليست مهمة، هي في النهاية ستكون جزءا من الكلاسيكيات بعد أن يمر عليها عامل الزمن وقراءتنا لها وحكمنا عليها هو الذي سيرسخ هذا الأمر.

قراءة الروايات الكلاسيكية ستساعدك ككاتب وكقارئ على فهم الناس، فهم دوافعهم، حياتهم، رؤيتهم، حسب المكان والزمان الذي جاؤوا منه، سيساعدك ذلك على فهم زمانك ومكانك ونفسك. ليس لدي شك في ذلك، وإذا رأيت قارئا لم يساعده ذلك، فتأكد أنه لم يقرأ لنفسه، قرأ ليبهر الناس بقراءته، وهؤلاء تحديدا لن يفهموا مقصدي من هذه المقالة.