احتلت الرياض المرتبة الأولى بين مدن مجلس التعاون الخليجي في بُعد رأس المال البشري، الأمر الذي يسلط الضوء على حجم وتنوع تركيبتها السكانية وجهودها المستمرة في جذب المواهب الدولية. علاوة على ذلك، حصلت ست مدن سعودية على مكانة في قائمة أفضل 20 مدينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي الرياض وجدة والدمام وأبها ومكة المكرمة والمدينة المنورة. وتعكس نتائج التقرير السنوي للمدن العالمية للعام 2021 من إعداد شركة "كيرني" مدى التركيز الذي توليه المملكة لتشكيل اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة، دعماً لرؤيتها 2030.
وارتبطت قوة الرياض في بُعد رأس المال البشري مؤخرًا بإطلاقها لبرنامج تنمية القدرات البشرية - مركزة على تعزيز قدرات مواطنيها للازدهار وطنياً وإقليمياً وعالمياً. وهو ما سيتم من خلال النهوض بالتعليم، وإعداد الشباب لسوق العمل المستقبلي، ودعم الابتكار وريادة الأعمال لاغتنام الفرص الناشئة.
إلى ذلك قال أنطوان نصر، الشريك ورئيس القطاع الحكومي والتنمية الاقتصادية لدى كيرني: "في السنوات الخمس التي تلت إطلاق رؤية 2030، أوجدت المملكة العربية السعودية فرصًا هائلة وبيئة أعمال جذابة لضمان قدرتها التنافسية، ليس فقط في المنطقة، وإنما على الساحة العالمية أيضًا. وتستعد المملكة لقيادة التعافي في المنطقة مدفوعة بالجهود المتسارعة لحكومتها عبر الأبعاد الخمسة الرئيسة للتقرير".
ويتناول التقرير في إصداره الجديد كلاً من مؤشر المدن العالمية (GCI) والنظرة المستقبلية للمدن العالمية (GCO)، ليقدم عبر الأول تحليلًا شاملاً لمدى المشاركة العالمية لـ156 مدينة عبر خمسة أبعاد رئيسة هي: النشاط التجاري، ورأس المال البشري، وتبادل المعلومات، والخبرة الثقافية، والمشاركة السياسية. في حين يتناول تحليل النظرة المستقبلية للمدن العالمية تقييمًا تطلعيًا يعتمد على 13 مقياساً ضمن أربعة أبعاد رئيسة هي الرفاهية الشخصية، والاقتصاد، والابتكار، والحوكمة، لتقييم تهيئها لوضعها المستقبلي كمراكز عالمية.
وأضاف نصر: "يعتبر رأس المال البشري القوة الدافعة وراء النشاط الاقتصادي لأي مدينة، وهو ما يحدد قدرتها التنافسية. وستكون المدن القادرة على تهيئة بيئة صديقة للمقيمين، ممن تتمتع بجودة الحياة والعديد من الفرص الاقتصادية، هي تلك التي ستنجح في بناء اقتصاد مزدهر ومستدام. وهنا تجدر الإشارة إلى الجهود الحثيثة التي بذلتها المملكة في سبيل تعزيز قدراتها الوطنية. إنه لمن الضروري للمدن الرائدة بناء ورعاية المواهب الرفيعة للمنافسة في سباق القرن الحادي والعشرين والتطور المتسارع للثورة الصناعية الرابعة".
كما يجسد تقرير المدن العالمية 2021 آثار جائحة كوفيد - 19 وتدابير احتوائها على مستوى المشاركة العالمية للمدن، وبوادر الانتعاش غير المتكافئ التي شهدتها بعض منها. ويكشف التقرير أن المدن العالمية الرائدة هي تلك التي كانت أكثر مرونة وتكيفًا على الرغم من تضررها الشديد في بداية الجائحة جراء اتصالها العالي وكثافتها السكانية. ومثلما قادت هذه المدن جهود الاستجابة العالمية للجائحة، تستعد هي نفسها الآن لقيادة التعافي العالمي - رغم حالة عدم الاستقرار وعدم اليقين المتفشية.
نتائج مؤشر المدن العالمية
على الرغم من تراجع ترتيب العديد من المدن الغربية والآسيوية الأكثر ارتباطًا نتيجة تأثيرات الجائحة هذا العام، حافظت نيويورك، و لندن، و باريس، وطوكيو على المراكز الأربعة الأولى في المؤشر، ما يدل على مرونتها عبر العديد من المقاييس التي تقودها. ودخلت لوس أنجلوس قائمة الخمسة الأوائل هذا العام للمرة الأولى بعد تسجيلها لأداء قوي في بُعد رأس المال البشري. في حين تراجعت بكين مرتبة واحدة إلى المركز السادس، متأثرة بتدابير احتواء الجائحة وانخفاض التجارب الثقافية للمدينة والتضرر الاقتصادي الذي أدى للحد من نشاطها التجاري. كما تراجعت هونج كونج إلى المركز السابع بعد عام آخر من عدم الاستقرار السياسي، بينما احتفظت كل من شيكاغو وسنغافورة بقوة بالمركزين الثامن والتاسع، وارتفعت شنغهاي مرتبتين لتدخل قائمة العشرة الأوائل للمرة الأولى.
أسرع المتسلقين
بشكل عام، ارتفعت 21 مدينة ستة مراكز أو أكثر في تصنيف مؤشر المدن العالمية مقارنة بالعام الماضي. ست منها من منطقة الشرق الأوسط. حيث تقدمت أديس أبابا ثمانية مراكز مدفوعة بالاستثمارات التنموية الداعمة للنمو الاقتصادي السريع في إثيوبيا. وصعدت إسطنبول سبعة مراكز بفضل جهود الترويج للمدينة كمركز عالمي للسفر. كما صعدت ملبورن ستة مراكز، على عكس سيدني التي تراجعت أربعة مراكز، ما يدل على تأثير السياسات المحلية على مستوى المدينة خلال فترة تشديد تدابير الرقابة الوطنية.
النظرة المستقبلية للمدن العالمية
من حيث النظرة المستقبلية للمدن العالمية، سلط المؤشر الضوء على أهمية جودة الرعاية الصحية عند النظر في جاهزية المدن للمستقبل، حيث تسير المدن الأوروبية بشكل أفضل من نظيرتها في أمريكا الشمالية. وعلى الرغم من الانخفاض العام في الدرجات بسبب الجائحة، إلا أن المدن التي احتلت المراكز العشرة الأولى لم تتغير إلى حد كبير. فقد حافظت لندن على المركز الأول في مؤثر النظرة المستقبلية للمدن العالمية للعام الثالث على التوالي، بينما صعدت كل من باريس، وميونيخ، وأبوظبي ثلاث مراكز لكل منها لتحتل المركز الثاني والثالث والرابع على التوالي، واستكملت دبلن قائمة الخمسة الأوائل.
من جهته قال عبدو الهبر نائب المدير العام في كيرني: "توضح نتائج هذا العام أن المدن الأكثر ارتباطًا عالميًا كانت أيضًا الأكثر عرضة لتأثيرات الجائحة". فقد تم تسجيل تراجع في الحركة العالمية والاتصال عبر جميع جوانب المؤشر، من النشاط الاقتصادي إلى التفاعلات الاجتماعية – وكانت المدن ذات الوزن الثقيل نسبيًا تجاه الأبعاد العالمية للمؤشر، مثل حجم الزوار الدوليين، وأحجام التجارة العالمية، والأحداث العامة، هي تلك التي عانت أكثر من غيرها. في حين أظهرت المدن العالمية الأقل ارتباطًا، وخاصة في المناطق النامية والناشئة، تأثراً أقل بالجائحة، وفي كثير من الحالات سجلت ارتفاعاً في الترتيب. ومع ذلك، نعتقد أن هذه التحسينات لا تعكس الواقع الكامل بعد نظر للتأثير المتأخر للجائحة في العديد من المدن".
خمس ضرورات استراتيجية لقادة المدن
يسلط التقرير الضوء على خمس ضروريات استراتيجية لقادة المدن في جميع أنحاء العالم لمواجهة التحديات المشتركة:
السباق على المواهب العالمية: مع كون رأس المال البشري القوة الدافعة للنشاط الاقتصادي، ستكون المدن القادرة على التكيف مع الأولويات الجديدة للسكان المحتملين هي الظافرة بالقمة، مع تجدد التركيز على العيش في المناطق الحضرية وتوليد الفرص الاقتصادية.
تبني الاقتصاد الرقمي سريع النمو: رغم احتمالية إسهامه في إفراغ المدن ونقل مقار الأعمال التجارية، تعد القدرة على تسخير فوائد الاقتصاد الرقمي العالمي ميزة تنافسية كبيرة لتسريع النمو الاقتصادي للمدن.
ضمان المرونة الاقتصادية من خلال الموازنة بين الموارد العالمية والمحلية: مع هشاشة نظام التجارة العالمي خلال الأشهر الأولى للجائحة، ستكون المدن التي تعيد معايرة العلاقات وموازنتها على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية الأكثر قدرة على الصمود أمام الاضطرابات المستقبلية.
التكيف في مواجهة تغير المناخ: مع تسارع وتيرة التغير المناخي، وفي غياب قيادة عالمية موحدة حول هذه القضية، يجب على المدن قيادة الطريق نحو الاستدامة في جميع أنحاء العالم.
الاستثمار في رفاهية الفرد والمجتمع: مع التعافي من ندوب الجائحة، ستهيئ المدن التي تركز استثماراتها على النهوض برفاهية السكان بيئة خصبة لازدهار الابتكار.
ويقيّم مؤشر المدن العالمية 2021 مدى مشاركة المدن عالميًا عبر خمسة أبعاد: النشاط التجاري، ورأس المال البشري، وتبادل المعلومات، والخبرة الثقافية، والمشاركة السياسية. من ناحية أخرى، يتناول تقرير النظرة المستقبلية للمدن العالمية وضع اللاعبين الرئيسين الذين يشكلون الظروف التي ستهيئ المشهد المستقبلي. ويغطي هذا التحليل أربعة أبعاد: الرفاهية الشخصية، والاقتصاد، والابتكار، والحوكمة. وهي محددات رئيسة لقدرة المدينة على جذب رأس المال البشري الموهوب، وتوليد النمو الاقتصادي، وزيادة القدرة التنافسية، وضمان الاستقرار والأمن.

التعليقات