كتب أحد المغردين المعروفين قبل عدة أيام تغريدة أعلن من خلالها انسحابه من منصة "تويتر" التي يتابعه فيها أكثر من مليون شخص، وبرر قراره أن هذه المنصة تخرج أسوأ ما في الإنسان، وهو ما ترك تأثيراً سلبياً على حياته، ولذلك اختار نفسه، وعائلته، وسلامه الروحي.
قرأت تلك التدوينة بتعاطف شديد، لا يمكن أن يصل الإنسان لقرار مثل هذا، وخصوصاً من يملك عدداً ضخماً من المتابعين، إلا بعد معاناة تضطره للاعتزال والزهد في المزايا التي يمكن أن يحققها هذا العدد من المتابعين.
الدراسات النفسية المتعلقة بشبكات التواصل تؤكد أضرارها الكبيرة على الاتزان النفسي، والتي قد تقود في بعض الأحيان للانتحار، وشخصياً أعتقد أن منصة تويتر ربما تكون الأكثر تأثيراً على نفسية مستخدميها؛ ذلك لأنها تقوم على التدوين القصير الذي يمنح الجميع حق التحدث في كل شيء، وبحرية مطلقة مزعجة. الأمر أشبه أن تجلس في غرفة يقطنها الملايين وجميعهم يتحدثون في اللحظة ذاتها، تحاول التقاط ما يهمك لكن لن تتمكن من أن تحمي سمعك وبصرك مما تكره.
المشكلة الأخرى أن الميزة التي تتيحها المنصة لمستخدميها بإخفاء هويتهم الحقيقية، أخرجت أسوأ ما فيهم، إذ لا يحكم هذا المجتمع الافتراضي أعراف أو قيم، فهو فضاء مفتوح تستطيع حرفياً أن تقول فيه ما كنت تخجل حتى أن تتحدث فيه مع نفسك، لطالما كنت خلف قناع لا تعرف فيه هويتك الحقيقية.
دراسة حديثة قامت بها جامعة هارفارد، أكدت أن إفشاء معلومات عن الذات يحفز مناطق المتعة في الدماغ، تماماً كما يحدث عندما نتناول طعامنا المفضل أو نكسب الأموال، إلا أن الإشكالية تكمن في أن الأمر يتجاوز إفشاء المعلومات عن الذات، إلى الهجوم على الآخرين وتحقيرهم وتسفيه آرائهم، ناهيك عما تضج به المنصة من أخبار مقلقة وتحديثات سلبية قد لا تعنيك لكنها تقتحم عقلك الباطن وتترك تأثيراتها السامة على يومك دون أن تشعر.
ورغم كل السلبيات التي ذكرتها لا يمكن اعتبار منصات التواصل شراً خالصاً، إذ هي جزء من نسيج حقبتنا الرقمية تنطوي على الكثير من السيئات، ولا تخلو من الفوائد والحسنات، لكن ما يحدد كيفية الاستفادة منها والحد من سلبياتها هو طريقة استخدامنا لها، شخصياً لا أفضل مقاطعتها تماماً، لكنني أتعامل معها بحذر شديد، أدخل سريعاً وأخرج سريعاً، أحمل ما يهمني، ولا أحرص كثيراً على مشاركة تفاصيل حياتي الشخصية ولا حتى التعبير عن مرئياتي إلا في أضيق الحدود.
التعليقات