لعبة الحظ هي لعبة الخاسرين، فلا ذاكرة لها، ولا يمكن التنبؤ بها، أما صناعة البترول فلها ذاكرة قوية وقوانين اقتصادية، ولكن العقول تقرأ مستقبلها بتحيز وعناد في كلا الاتجاهين.
في نظري أفضل من يقرأ صناعة البترول هو من لا يتفاءل ولا يتشاءم لكثرة العوامل المؤثرة، يكفي أن أذكر بأن شركات النفط الصخري أخطأت بقراءة مستقبل الأسعار على المدى القريب، حيث - حسب تقديرات IHS - ثلث إنتاج الولايات المتحدة البالغ 11 مليون برميل تحوط على أسعار بترول 55 دولاراً لسنة، ونتج عن ذلك خسائر بلغت 7.5 مليارات للنصف الأول، ويمكن أن تبلغ 12 مليار دولار أخرى إذا استمرت الأسعار على متوسط 75 دولاراً لبقية السنة، عموماً هذا التحوط غير الموفق من العوامل التي يمكن أن تؤخر عودة الصخري قريباً.
عموماً على المدى القريب يغلب التفاؤل، و(جولدمان ساكس) يتوقع أن تصل الأسعار إلى مستوى 80 دولاراً خصوصاً مع انخفاض حجم المخزونات قياساً بحجم استهلاك الدول المتقدمة إلى نحو دون 8 %، وهو مؤشر لتحسن حالة العرض والطلب بعد أن وصلت إلى مستوى عالٍ 10.4 % عند بداية الأزمة في أبريل العام الماضي، لكن هناك سقف اقتصادي، فيمكن أن يضر ارتفاع أسعار البترول عودة النمو العالمي، فحسب تقديرات JPM فإن أسعار البترول فوق 85 دولاراً سوف تنعكس سلباً على النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وسلة الاستهلاك للأسرة، وأيضاً هناك مخاطر ينبغي تذكرها وهي ظهور المتحور (دلتا) الذي يمكن أن يبطئ النمو العالمي، والتغيرات الهيكلية للاستهلاك العالمي للبترول، فمثلاً النقل الجوي (يستهلك 4.5) ملايين برميل قبل الجائحة يمكن أن يأخذ وقتاً أطول من كل التقديرات بسبب تطور الاتصالي المرئي.
على المدى البعيد يراهن المتشائمون على تطور السيارة الكهربائية وحسب تقديرات بلومبرغ NEF إن حجم تطور صناعة السيارة الكهربائية سيصل إلى 16 % العام 2025 ثم يرتفع ليصل إلى 68 % في العام 2040، لكن هذه التقديرات لا تعني بالضرورة نهاية عصر البترول أو أن تطور صناعة السيارة الكهربائية لن يصاحبه مخاطر، يكفي أن نذكر أن 52 % من احتياطي مادة الليثيوم متركز في دولة واحدة (التشيلي)، ثانياً والأهم مشهد الطلب على الطاقة الكهربائية مستقبلاً يحمل الكثير من التغييرات الكثيرة، الآن مع تسارع العالم الرقمي يبلغ الاستهلاك الكهربائي لتخزين المعلومات للشركات الأميركية ما يعادل استهلاك دولة نيوزلندا، وكذلك تعدين البتكوين وغيرها الكثير من التطور الرقمي، كل هذا يجعل بقاء النفط مهماً كمصدر طاقة مرن يمكن أن يسد أي نقص قياساً بالمصادر الأخرى، لكن التوجه العالمي يسير في خلق أزمة طاقة، بسبب انخفاض الاستثمارات الرأسمالية في صناعة البترول بنحو 70 %، والأسوأ أن الاستثمارات طولية الأمد انخفضت منذ سنوات، يعني ذلك أن هناك تساهلاً في خطورة عدم ترابط العرض والطلب مستقبلاً، وحسب تقرير (مكانزي) الشركات البترولية الدولية (السبع الكبار) يمكن أن تبيع أصولها بحدود 140 مليار دولار بسبب ضغوط المساهمين المدافعين عن البيئة والسياسات البيئية.
من ينظر للمستقبل بتمعن عليه أن يدرك أن لا تشاؤم أو تفاؤل قد تراهما سواء على المدى القريب أو البعيد، وتبقى دائماً أسعار البترول مفاجئة، يصعب التنبؤ بها، لكن ليس مثل لعبة الحظ فلا حدود لأسعار البترول في كلا المسارين، دخلت النطاق السلبي منذ عام، والآن هي أعلى السلع ارتفاعاً لهذا العام.
التعليقات