في إطار إعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إطلاق "مبادرة السعودية الخضراء"، و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" اللتان سترسمان توجه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة، وستسهمان بشكل قوي بتحقيق مستهدفات المناخ العالمية. نشر مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية "كابسارك" ملخص ورشة عمل شارك فيها أكثر من 40 خبيرًا من جهات أكاديمية وحكومية وصناعية لتبادل الأفكار والخبرات حول موضوع النمو الأخضر، حيث أكد المشاركون على أن النتائج البيئية الإيجابية يمكن أن تتماشى مع الازدهار الاقتصادي، وأنه يمكن تحقيق أعلى مستوى من الرفاه الاجتماعي من خلال سياسات الاستخدام الأقل والأعلى قيمة.
ونوهت الورقة التي اطلعت عليها "الرياض"، بأن مسار انتقال المملكة إلى اقتصاد أخضر سيكون مختلفاً عن الدول الأخرى. حيث تتمتع المملكة بميزة تنافسية قوية كونها موردا عالميا للنفط، وتنتج النفط الأقل كربونا في العالم، ومن الممكن استغلال هذه الميزة خلال التطبيق الشامل لاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه للانتقال إلى صافي إنتاج نفطي خال من الكربون.
ويتضمن الاستخدام بشكل عام إعادة تدوير المنتجات الثانوية للكربون لتصبح مواداً كيميائية نافعة، بينما يعمل التخزين على الاحتفاظ بالكربون في تشكيلات جيولوجية، ويمكن أن تساهم هذه التقنيات بصورة كبيرة في إزالة الكربون من قطاع النقل عالمياً.
وأشار ملخص ورشة عمل "مسارات النمو الأخضر للمملكة" إلى أن السعودية بدأت بالفعل في تنفيذ عمليات خفض الانبعاثات الكربونية والانتقال إلى النمو الأخضر من خلال تبني مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون خلال رئاسة المملكة لقمة العشرين، و تنويع الاقتصاد في إطار برامج رؤية المملكة 2030 وتقليل فرط الاعتماد على النفط وإصلاح أسعار الطاقة ووضع معايير لكفاءة الاستخدام، مما ساهم في أول تخفيضات كبيرة ناجمة عن السياسات في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حتى مع استمرار الاقتصاد في التوسع والنمو.
وقال ثامر الشهري -أحد مؤلفي الورقة-: "أحد أهم الفوائد من مبادرة السعودية الخضراء هي تعزيز التنسيق عبر مبادرات وبرامج رؤية المملكة 2030 والهيئات الحكومية واللاعبين الرئيسين الآخرين مع إبراز أهمية التحول الأخضر الجاري بالفعل. حيث يعتبر هذا التحدي إحدى المشكلات المشتركة التي تواجه الدول الأخرى في السعي لتحقيق تحولات اقتصادية مماثلة"
وأكد المشاركون في ورشة العمل على أن صناعات التكرير والمعالجة والتسويق المعتمدة على إنتاج المملكة لنفط منخفض التكلفة والكربون تمثل مجالًا آخر للنمو الأخضر. حيث يمكن لصناعة البتروكيميائيات أن تزيد من استخدامها للطاقة المتجددة وأن تحسن كفاءتها، مما يمكّن المملكة من التموضع بصفتها موردًا للمواد البتروكيميائية الأساسية منخفضة الكربون وكذلك المواد الكيميائية عالية القيمة.
وسلطت الورقة الضوء على أن الاقتصاد الأخضر يمثل فرصة لتوفير وظائف عمل مجدية وجاذبة للسيدات والرجال، حيث إن القوى العاملة التي تتمتع بالمهارات اللازمة لتحقيق اقتصاد قائم على المعرفة مشابهة لما هو لازم لتحقيق اقتصاد أخضر للطاقة، حيث يمكن إضافة 100 ألف وظيفة عند الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر بحلول 2030.
واعتبر المشاركون في الورشة أن الانتقال إلى مجتمع قائم على المعرفة بأنشطة اقتصادية عالية القيمة سيشجع على وجود اقتصاد منخفض الكربون، وهو ما يدعم السعودية في الوصول لأهداف الرؤية المستقبلية وخفض 130 مليون طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2030 من خلال التنويع الاقتصادي واستخدام بدائل النفط والغاز منخفضة الكربون.
وأوصى ملخص ورشة العمل إلى ضرورة تعزيز الاندماج والقبول الاجتماعي من خلال تصميم مشروعات البنية التحتية واسعة النطاق للمدن والمشروعات الضخمة التي تسعى إلى تعزيز النمو الأخضر بحيث تشجع على كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة والوصول إلى صافي انبعاثات خالية من الكربون. فمثلًا، مشروع الرياض الخضراء الذي يهدف إلى زيادة المساحات الخضراء ومشروع النقل العام الذي سيساهم في تقليل الانبعاثات الناتجة من المواصلات داخل المدن. بالإضافة إلى مشروعات مثل "ذا لاين، أمالا، القدية ومشروعات البحر الأحمر"، التي ستساهم في تغيير مفهوم علاقة المجتمع بالبيئة المحيطة من حيث التنقل والعمل والتسوق والتعلم والترفيه.
ويمكن لسياسات التقسيم والتبريد على مستوى المناطق أن تشجع على النمو الأخضر من خلال نهج أكثر شمولية يتضمن الأسطح العاكسة والخضراء وممرات التبريد والعناصر البيئية والفيزيائية الحيوية التي تعمل على خفض درجات الحرارة، مثال على ذلك، مشروع تبريد المناطق في مركز الملك عبدالله المالي الواقع في مدينة الرياض.
وتعد ورش العمل التي يقيمها "كابسارك" منصة تشاركية تفاعلية، تجمع بين المعنيين والخبراء والمتخصصين في الطاقة والاقتصاد؛ إذ يتعاون المركز مع عدد من مراكز الأبحاث العالمية ومنظمات السياسات العامة والمؤسسات الحكومية والصناعية لتبادل المعرفة والتوصيات التي تهدف إلى تحسين رفاهية المجتمعات محليًا وعالميًا.

التعليقات