«تأثير الكتاب على الأرجح يساوي نفس القوة التي يحصل عليها الشخص من الاتصالات الإنسانية، فالكتاب هو صوت لمخلوق مثلك يناديك بين دفتي كتاب مطبوع وقريب من اهتماماتنا ومصالحنا».

(شيلا كاي سميث)


كثيرون يتمنون أن يمسكوا بكتاب، إذ يعلنون ذلك بعضهم يعلل عزوفه عن القراءة بانشغاله وضيق الوقت، وبعض آخر يصرح بأن ليس لديه الوسيلة التي يمكن أن تحببه بالكتب والقراءة، ولهذا يتمنى أن يعرف من أين الطريق إلى القراءة، حيث لم يتعود عليها منذ يفاعته، وهناك كتب كثيرة قديماً وحديثاً تحث على القراءة، ولكن كيف لمن لم يتعود عليها أن يبدأ بقراءة الكتب التي ترشد إلى القراءة، فالذين تمكنوا من قراءة الكتب التي تحث وترشد إلى القراءة هم من تعودوا من الصغر أو في بدايات الشباب، وترعرعت مسايرة أعمارهم فصارت عادة محبوبة ومعشوقة يلاحقون الكتب أينما كانت بعد أن عرفوها، إما من المنزل المحتوي على مكتبة منزلية وأمامهم من يمارس القراءة من أفراد الأسرة فكانت المحاكاة والتقليد أولاً، ثم صارت عادة مطبوعة ممتعة لما لمسه من فائدة وما أضافت إليه من معارف وعلوم جعلته يهيم بحب الكتاب، فأدرك أن الكتب الدراسية ما هي إلا وسيلة للتعلم ونيل الشهادة على مستوياتها المختلفة، حتى أن هناك من اكتفى بالشهادة وفي نفسه أنه ارتاح ونال الوظيفة، ومنهم من مهنته التعليم على أرقى الدرجات حصر نفسه فيما يردده ويمليه على من يعلمهم، فالقراءة من شروطها الأولية الرغبة فيها والصبر الحقيقي لكونها تحتاج إلى وقت من الأربع والعشرين ساعة التي تحدد اليوم وتكرار ذلك يومياً، ويختلف الناس في ذلك حسب رغباتهم في تحديد الفترة اليومية للقراءة، هنا من يستطيع أن ينهي كتاباً في يوم، وهناك من يقضي شهراً في نفس الكتاب الذي أنهي في يوم، وهنا وهناك من لم يفكر أصلاً في القراءة، فله أشياء تهمه أكثر من القراءة.

ليس الناس جميعاً قراء كتب، إنما هناك هواة من المحبين وعاشقي الكتب، يختلف المحبون والعشاق، منهم من يعجبه جمع الكتب ويكثر من جمعها (جامع كتب) المهم لديه مكتبة متنوعة الفنون والمعارف، وليس له منها نصيب إلا الشكل الذي يباهي به وهم من بعض من يطلق عليهم (ببلومانيون)، حيث صنفت تلك الصفة بأنها مرض حب الكتب والشغف بها بـ(ببلومانيا) وتعني أيضاً من يحبون ويهيمون بالكتب جمعا ًوقراءة، وهؤلاء إيجابيون، فمنهم عباقرة وأدباء عالميون (بوريس باسترناك) صاحب رواية (دكتور زيفاجو) و (أوسكار وايلد) المعروف برواياته الشهيرة مثل (بيت الرمان/ صورة دوريان جراي/ سمفونية البحر) وعربياً صنف (عباس محود العقاد) بمكتبته الكبيرة وقراءاته المكثفة ومؤلفاته العديدة، وهناك غيرهم ولكن أورد ذلك كمثال لصفة الهوس الحميد بالكتب، حيث القراءة وما أثمرت من عطاءات خالدة.

عاشقة القراءة والكتب التي قصدت هي قارئة من النوع الشغوف بالكتب من أجل القراءة، وليست كـ(جيلكي) الشخصية الرئيسة في رواية (عاشق الكتب) للكاتبة الأديبة/الصحفية (أليسون هوفر بارتليت) الذي يسرق الكتب النادرة بالنصب والاحتيال، بل هي كاتبة وشغوفة بالقراءة، اسمها(هيلين هانف) أميركية تسكن نيويورك، صادفت إعلاناً في صحيفة عن الكتب النادرة، او التي نفدت لمتجر للكتب في إنجلترا كان ذلك عام 1949 عنوانه (ماركس وشركاه، 84 شارع تشيرنغ كروس/ لندن و-س-2 / إنجلترا) فبعثت برسالتها التالية:

«أيها السادة/ يذكر إعلانكم الذي نشر في صحيفة (ساتردي ريفيو/الأدبية) أنكم متخصصون في الكتب التي نفدت نسخها. إن عبارة (باعة الكتب النادرة) ترعبني نوعا ما؛ ذلك لأن كلمة (النادرة) ترتبط لدي بكمة باهظة الثمن، أنا كاتبة فقيرة تميل إلى الكتب العتيقة، وكل العناوين التي أحتاجها يصعب الحصول عليها إلا عبر طبعات نادرة، ومرتفعة الثمن، أو نسخ أتلفتها ملاحظات التلاميذ من متجر (بارنز ونوبل)، أرفق لكم قائمة بأكثر مشاكلي إلحاحاً، إذا كان لديكم نسخ مستعملة من أي كتاب في هذه القائمة، على ألا يتجاوز كلٌ منها 5$، فهلا أتممتم طلب الشراء وأرسلتموها إلي؟!

المخلصة لكم بحق: هيلين هانف (الآنسة) هيلين هانف)».

بعد عشرة أيام تقريباً جاءها الجواب من المتجر الإنجليزي يخبرها بما وجد، وهنا أهمية الرسالة حيث تحمل أسماء كتب ومؤلفين يستفيد من يقرأ الرسالة من المهتمين بالكتاب، وهذه ميزة الكتب التي تكون عن الكتب، وهي تداول في الأسواق والعالمية؛ مما فرض على دور النشر العربية أن تنقل مثل هذه الكتب مترجمة، حيث يرغب بها المهتمون بالكتاب وشأنه، وفحوى الرد:

«رداً على رسالتك نخبرك أننا تمكنا من حل ثلثي مشكلتك، مقالات هازلت الثلاث التي أردتها مشمولة في طبعة دار نونسج بعنوان مقالات مختارة، وستيفنسون موجود في فيرجينيوس بيورسك، سوف ترسل نسخاً جميلة كليهما عبر بريد الكتب، ونثق أنها ستصل بأمان في الوقت المطلوب، وستنال استحسانك، الفاتورة مرفقة مع الكتابين.

لن يكون الحصول على مقالات لياهَنت سهلاً، لكننا سنحاول الحصول على مجلد جذاب يضمها جميعا، لا نملك الإنجيل اللاتيني الذي وصفته، لكننا نملك العهد الجديد باللاتينية، وكذلك العهد الجديد بالإغريقية، طبعتان حديثتان وعاديتان في تغليف قماشي، هل تريدينهما؟»

الخلص لك: ف -ب – د من ماركس وشركاه».

توالت الرسائل بين الطرفين حتى عام 1968 بوفاة فرانك دويل، وفي الرسائل معلومات عن كتب ومؤلفات تحول بعضها إلى تبادل كتب بمواد غذائية وملابس أمريكية حتى لبعض العاملين والعاملات مما يفسح المجال للمحات أخرى.

هيلين هانف
فرانك دويل
بوريس باسترناك
اوسكار وايلد