«بالأمس كتبت قليلاً ثم أويت إلى الفراش باكراً، تقلبت في سريري.. شرعت في قراءة ثلاثة كتب أو أربعة دون أن أتمكن من إنهاء أي واحد منها»

( ألبير كامو)


تمثل المكتبة محطة وقود يتزود منها الكتّاب في جميع أنواع الكتابة، فليس أي كاتب يمكنه الاستغناء عن المكتبة سواء عامة أم منزلية، الكل يحرص على أن يكون الكتاب بجواره يستدنيه متى ما أراد، وربما الكتاب هو من يدعو الكاتب إليه فيتوجه إليه بكل طوعية؛ لأنه يعرف أن من استدعاه يحمل له ما يفيد، ولهذا صارت القراءة هي الممون لمن أراد أن يستخدم القلم في التعبير عما يهمه ويشعر به ويود أن يتوجه به إلى ذاته ليطل من خلالها على الآخرين بما يرى أنه يوجب المشاركة للإفادة العامة، مع الإعلان والإعلام عن أن هنا من يقدم نوعاً من فنون الكتابة في مجال يرى أنه بإمكانه أن يساهم في الحياة الملاصقة له بشيء له تأثيره الإيجابي في المسيرة الجماعية نحو البناء والتطور في المفهوم لديه بتمكن من أنه قادر على الإضافة فيه وتقديم المستجد، فلهذا يحرص الكاتبون على المكتبات والكتاب وأن تكون لها مكانتها في نفوسهم، وصارت المكتبات من الضروريات في الحياة، وكل يوجه ويساعد على أن تكون منتشرة في المجتمعات الصغيرة والكبيرة، وأن يُعمل على التفنن في مواقعها سواء أكانت عامة أم خاصة.

بفضل ما قدمته المكتبات للكاتبين/ الكاتبات، واعترافاً به، كتب الكثيرون عن المكتبات والكتب إما مصنفات أو فهارس، وأغرق البعض منهم في وصف فوائدها وما استفادوا منها، وفي الأدب الحديث صدرت العديد من المؤلفات التي تصف المكتبات بطريقة السرد الروائي، حيث تكون المكتبة هي الحدث والمحور الرئيس في الرواية، ويكون الكتاب/ المكتبة مثل شخص من الآخرين في الرواية، يُوصَف ويُحاور مع غيره بالطريقة التي يتفنن فيها الكاتب، وإن كان خورخي بورخيس بدأ بما يشبه الأولية في الحديث مع وعن الكتاب، ولحق به البرتو منغويل ومن سار على دربهما في تكريس الجهد الكتابي حول الكتاب والمكتبات، فنوع الكتابة السردية التي أذهب إليها جاء بواسطة ما مر بي من روايات منها على سبيل المثال ( ظل الريح - لعبة الملاك - سجين السماء - متاهة الأرواح) واعتبرت ملحمة «مقبرة الكتب المنسية» لـ كاتبها كارلوس زافون، ورواية (الكتب التي التهمت والدي) لـ فنسو كروش، ورواية (مكتبة ساحة الأعشاب) لـ إيريك دو كيرميل، ورواية (عاشق الكتب) لـ أليسون هوفر بارتليت.

تأتي رواية (أَنْ تَجِدَ الحبَ في مكتبة) لـ فيرونيكا هنري ضمن الكتابات التي تتحدث عن المكتبة بطريقة التعاطف لدى الابنة مع مهنة والدها صاحب المكتبة الذي اختار لها مكاناً مناسباً له ولحالته المزاجية والمادية وعمل الكثير من أجل أن تكون المكتبة هي شغله الشاغل وأن يكسب الأشخاص المهتمين بالكتب كأخوة تحتضنهم المكتبة وتزودهم بما يشاؤون من الكتب التي يبحثون عنها، ويعمل المستحيل لكي يؤمنها لهم، فصار المهتمون من كتاب ومبدعين يأتون من مناطق عديدة لأنهم على ثقة تامة بأن ما يبحثون عنه سيجدونه في «مكتبة بايتنْغيل» وهذا هو اسمها.

فجأة يتوفى صاحبها وحيداً وتغلق المكتبة أبوابها بانتظار من يشغلها بعده، ليس هناك غير ابنته الوحيدة التي كانت مسافرة بناء على رغبته في أن تتفرغ للدراسة والعمل، فما أن وصلها الخبر المحزن حتى عادت لتكون في الواجهة، لتبدأ مسيرتها مع المكتبة والكتاب مستعدة للعمل وما يعترض حياتها من أحداث مختلفة، فالرواية في نظر مترجمها -مهدي سليمان «فيها كتب وكتب وكتب، وفيها موسيقى.. وثلج متساقط عشية عيد الميلاد»، وهذا ما يدعو للانتظار. «لأن الشخصيات في الرواية طيبة جداً، ينشرون طاقة إيجابية في أوصال (أميليا) وفي أوصالنا كقراء بطبيعة الحال، كلما ضيّقت عليها الحياة خناقها، إذ تحفل الرواية بعشرات الأسماء لكتاب وكاتبات طالما استمتعنا بأعمالهم العظيمة وبعناوين لما أبدعوه من كتب، كما تكشف أحداثها رويداً رويداً النقاب عن سر لم يمت بموت (يوليوس نايتنغيل) والد إميليا مؤسس المكتبة؟!.

فيرونيكا هنري
كارلوس زافون