ما يجري اليوم في العالم حولنا قد لا يخرج عن تلك الصور والتحولات التي يكون أول أمرها "تصرفًا فرديًا" ينكأ جراحات مكبوتة في نفسيات كثيرة، وجدت في تصرف أهوج اللحظة المناسبة للدخول في اللون المتدرج، ومع ما تدعيه تلك الدول من الحرية والديمقراطية إلا أننا نرى التصرفات الفردية التي تعبر عن الرغبة في العنف والاعتداء حاضرة وبقوة..

لا شك أن الفاصل بين حالتين متباينتين سيكون هو اللون المتدرج الذي لا تضبط العين درجات تلونه، كتلك التدرجات التي تفصل بين ألوان "قوس قزح" حيث يصعب على الناظر تحديد نهاية وبداية أحد اللونين، وهذا هو ما نراه في كثير من أمورنا المتناقضة زمنًا وشكلاً، حيث يحدث التغيير من نقطة قد لا يراها الآخرون ولكنها بالفعل نقطة تحول بين حالين؛ "قبلُ وبعدُ"، وعلى ذلك تستطيع تحديد أحوال كثير من الناس على المستوى الفردي بين السلب والإيجاب، أو بين التطور والتدهور، فقد تجد غنيّا، بين عشية وضحاها يفلس فإذا به من فقراء الناس، وحين يتذكر، لا يتذكر غير تلك اللحظات والثغرات التي كانت برزخًا بين غناه وفقره، ثم يعود للتحسر، لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، وفي السياق ذاته تقاس تحولات الدول والإمبراطوريات، فكم مر بنا في التاريخ من التحولات والنكسات والتطورات التي حصلت لدول وحضارات!، وكان ما بين عزها ومجدها وبين ضعفها وخورها أيام معدودة لم يلاحظ من عايشها غيايتها، وفي عصرنا وليس ببعيد كانت دولٌ تتربع عرش السيطرة والتحكم بمصير الشعوب، فإذا بها ما بين أيامٍ متتابعة متداركة تصبح دولًا وأقاليم مُجزأة غاية أهدافها استعادة قواها وماضيها، وقد نجد بين "قبلُ وبعدُ" أحوال تلك الدول والإمبراطوريات، هفوات وثغرات لا تتعدى أن فعلها أشخاص فجرّت أفعالهم غير المسؤولة أفعالاً وردودات أفعال أعجزت تلك القوى عن السيطرة عليها، وقد لا ينسى العالم الحرب العالمية الأولى التي كان سببها الظاهر والمباشر "اغتيال شخصية" بغض النظر عن أسبابه ودوافعه إلا أنه كان المنطقة الضبابية التي حاول عندها العالم أن يستدعي كل مشاكله الاقتصادية والسياسية لتكون الحرب وهي "حالة البَعَد" التي نتحدث عنها.

ما يجري اليوم في العالم حولنا قد لا يخرج عن تلك الصور والتحولات التي يكون أول أمرها "تصرفًا فرديًا" ينكأ جراحات مكبوتة في نفسيات كثيرة، وجدت في تصرف أهوج اللحظة المناسبة للدخول في اللون المتدرج، ومع ما تدعيه تلك الدول من الحرية والديمقراطية إلا أننا نرى التصرفات الفردية التي تعبر عن الرغبة في العنف والاعتداء حاضرة وبقوة.

في عاجل الأخبار هذه الأيام مثالاً حيّا لما يعتري الأنظمة القوية من ثغرات قد تكون سببًا للانهيار والتحول، وهو الأمر الذي يعالجه الإسلام بثبات وحكمة، وإرجاع الأمور العظام إلى أهلها حتى لا يكون للمتربصين مدخل، فقد قعّد الإسلام قاعدة {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} فنجد أن لولي الأمر في الإسلام الكلمة الفاصلة التي تمنع من الفوضى واستغلال الأخطاء الشخصية لتدمير البلاد والعباد، وجعل الله لولي الأمر مرجعًا ومصدرًا يعيد الناس إليه عند التباس الأحوال والأمور.

إن في الأحداث ما هو محط أنظار العالم كله، من المحللين والسياسيين، والعسكريين، والاقتصاديين، ومن منظور شرعي، فمشكلات وأخطاء الآخرين ومسبباتها حريّ بها أن تكون موضع نظر ودراسة، ولا سيما حين ترتبط تلك المجتمعات بمجتمعاتنا ارتباطًا حيويًا على كل الأصعدة، ولا تستطيع مجتمعاتنا أن تكون في منأى عن العلم بما يحصل هنا أو هناك، وذلك لتقارب الزمان والمكان، فما يجري في تلك الدولة ينقل ويراه العالم مباشرًا، ويرى ما لم يكن يظن أنه سيكون، وهنا لا بد من أخذ تلك الأحداث والتحولات بمحمل الجد وتبني الحديث عنها بإيجابية فيما يعود نفعه على الوطن والمجتمع وأمنه وأمانه، ونحمد الله أولًا وآخرًا، على ما حبانا به من دولة وقيادة حكيمة، ووطن معطاء، وهي نعم توجب الشكر، فنسأل الله شكرها ودوامها، والمزيد منها.. هذا، والله من وراء القصد.