«إن القراءة مثل التزلج على الثلج عند إجادتها وعند أدائها بواسطة خبير، وكل من القراءة والتزلج نشاطان شيقان ومتنافسان، أما عند أدائها بواسطة مبتدئ، فإنها تكون غير ملائمة بل ومحبطة أيضاً»

( آدلر/ فان دون)


القراءة هي الغذاء الفكري المفيد الذي يمكن صاحبه في مجاله الثقافي من أن يعبر القارات متذوقا أغذية مختلفة هي في المحصلة الأخيرة تجعل من ممارسها سعيدا بأنه يتمتع برؤى وأفكار يستفيد ويفيد منها في حياته الخاصة/ العامة، وكل الأمم تحرص على أن تجعل من القراءة أبواباً مفتوحة ليدخل منها الجميع؛ لكونها تمثل الحياة المبتغاة للجميع بما تنير وترسم من تعاملات إنسانية قوامها المعارف التي بدورها تخلق وتبني على طول الزمن، المعارف تزداد من خلال الاطلاع على المنتج في أي مجال من مجالات قوام الحياة واستمراريتها، فبالقراءة نحن نستطيع أن نتعلم من الذين هم أفضل منا، ويجب أن نعلم مَنْ هم وكيف نتعلم منهم؟ إن الشخص الذي يمتلك هذا النوع من المعرفة يمتلك فن القراءة.. وكل شخص يستطيع القراءة لديه القابلية لممارستها بطريقة مفيدة، وكلنا دون استثناء نستطيع أن نتعلم كيف نقرأ ونكسب ذلك تدريجيا من خلال الجهد الذي نطبقه على مواد قراءة قيّمة.

الجميع يستطيع أن يقرأ وبطرق مختلفة حسب مداركه الشخصية ومدى جديته فيما يذهب إليه في مسلكه القرائي، وما هو مبتغاه الذي يهدف إلى أن يصل إليه من خلال دروب القراءة بوسائلها المختلفة، والكتاب الذي يُنْظَر إليه أنه مهدد من وسائل التواصل الحديثة - الكتاب الورقي - فكلاهما (كتاب) ولكل منهما قراء، بيد أن الكتاب الورقي الذي هو من خصوصياته التوجه إلى النخبة لما يزل وبقوة يحتل مكانته، وما يضاف من كتب أخرى عبر الألواح الإلكترونية ووسائل الميديا، وهي حاضرة ومتداولة على مسطح عريض من الساحة الثقافية العامة، فإنه من الملاحظ أن هذا الكتاب عندما يطبع ورقيا تكون له الشهرة التي تستدعي البقاء كما التداول، فالكتب كانت مخزونة غير معروفة إلا عند متابعيها عبر الأجهزة، لم تجد شهرتها إلا بعد أن تحولت إلى ورقية تعددت طبعاتها، منها ما تخطى الخمسين طبعة، وهذا يصب في صالح الكتاب الورقي، وعموما الكتابة والقراءة عبر الوسيلتين علامة صحة ووعي ثقافي يشير إلى الرقي المعرفي، وهذا في صالح الأمة بكل تأكيد.

(من كتبي/ اعترافات قارئة عادية) كتاب للكاتبة الأميركية (آن فاديمان) تعمل في الصحافة الثقافية مهتمة بالكتاب، وهي في هذا الكتاب تسرد سيرتها وحياتها مع الكتب التي جعلت من ذاتها كتاباً يُصَفُّ مع الكتب في رفوف المكتبات لما تحمله من احترام ومحبة للكتب، «تكتب الكتب قصة حياتنا، وعندما تتراكم في مكتباتنا، ورفوف نوافذنا وتحت أريكتنا، وفوق ثلاجاتنا، تصبح بحد ذاتها فصولا من تلك القصة وكيف لا؟!»

عندما تحكي عن حياتها مع الكتاب، تبدأ من الآخر أي لأنها بدأت في كتابها بعد المقدمة بموضوع عنونته بـ (زواج المكتبات) تضمن أنها قد تعرفت على زميلها في الجامعة من خلال تبادل الكتب وحب القراءة، وبعد التخرج كانت الصداقة لا تزال متبادلة ومستمرة ومتنامية حيث يعمل هو معها في نفس المهنة الصحافة وفي مجال الثقافة كذلك، ثم تزوجا من بعضهما عن حب شخصي/ ثقافي، «منذ عدة أشهر قررنا أنا وزوجي أن ندمج كتبنا معا، لقد عرف واحدنا الآخر من عشر سنوات سكنا معا منذ ست سنوات ونحن زوجان.. يتعايش كوبا قهوتنا المتنافران وديا جنبا إلى جنب، نتبادل ارتداء القمصان وكذلك الجوارب عند اللزوم، كما أسطواناتنا الموسيقية اختلطت دون قصد منذ زمن طويل، أما مكتبتانا فبقيتا مستقلتين، تحتل مكتبتي الجهة الشمالية من شقتنا بينا مكتبة جورج الجهة الجنوبية.. كلانا أنا وجورج كاتبان نبدي تجاه كتبنا العواطف التي يخص بها الناس رسائل عشاقهم القدامى، هو تجميعي وأنا تفكيكية في الكتب، كتبه تختلط بشكل ديموقراطي موحدة تحت الراية العامة لكلمة: أدب، بعضها موضوع عاموديا وبعضها أفقيا، ومنها ما هو موجود فعلياً وراء كتب أخرى، بينما كتبي مقسمة بدقة وفق الموضوع وجنسية المؤلف، بعد خمس سنوات من الزواج وطفل، قررنا أننا مستعدان لمستوى أعمق من الشراكة، هو توحيد المكتبتين، ليس واضحا كيف سنجد قاسما مشتركا، مقاربته للمكتبة بطريقة الحديقة الإنجليزية ومقاربتي بطريقة الحديقة الفرنسية» فيكون الترتيب الذي تعترضه بعض الصعوبات المزاجية، ومصير الكتب المكررة، وما يستحق البقاء أو الاستغناء، وكيفية الترتيب، هل حسب الموضوع أو المؤلف أو اللون والحجم إلى أن استقر أن يكون الترتيب الأبجدي هو الحل، فوجود خمسين كتابا مزدوجا فقررا أن تبقى النسخ ذات الغلاف الكرتوني احتفظت (فاديمان) بنسختها من كتاب قرأته عندما كانت في الثامنة عشرة من العمر؛ لكونها تحتوي على بعض الهوامش وبنسختين من رواية (الجبل السحري) لتوماس مان، ونسختين من (الحرب والسلام) لتولستوي و»رواية -نساء عاشقات – لـ -د.هـ. لورنس أثارت جدالا ً: قرأها (جورج) عندما كان عمره 16 عاما وأصر على أن نسخته الأصلية هي الوحيدة القادرة على إرضائه عندما يعيد قراءتها بغلافها الورقي الذي يصور لوحة تبعث على الهذيان لامرأتين، إحداهما عارية تماما والأخرى شبه عارية، أنا قرأتها عندما كنت في سن 18، صحيح أنني لم أدون يومياتي ولكن لست بحاجة إلى تصور حادثة ما.. تذكرني بها الهوامش التي كتبتها و(خربشتها) على نسختي، فما كان منا إلا أن نعلن هزيمتنا نحن الاثنين ونحتفظ بالنسختين» ويستمر التنظيم المتفق عليه وتسير الأمور القراءة بما تمليه الحاجة وما يسمح به الوقت، فالعمل والطفلة، لكن القراء والقراءة مع الملاحظات والنقد تكون الشاغل لـ «آن» وهذا ما تتحدث عنه فصول الكتاب التي بلغت العشرين، ومن عناوينها (متعة الكلمات الطويلة -أللا منتمي-لا تسخر من السونيتة- لا تؤذ كتابا- ماذا عن الإهداء؟ حبر الأبدية بالطبع سأقرأ الكاتالوج- نثر مستعمل ) .

كتاب في حقيقته ينبئ عن كاتبة قارئة مصابة بـالـ (ببلومانيا) من جانبها الإيجابي، إذ هي قارئة/ كاتبة محبة للقراءة ونهمة في اقتناء الكتب، وقد أشار الناشر لأهمية الكتاب بأنه: «لأولئك الذين تدفعهم شهيتهم للكلمة المكتوبة إلى قراء كل ما تقع عليه أعينهم، أو الذين يدللون كتابا قديما كما عيون أطفالهم، أو من تفتنهم رائحة الورق والحبر - من كتبي - يقدم رحلة ميدانية مشوقة إلى عالم الثقافة وهوس القراءة، (آن فاديمان ) تقدم لنا الكتب من خلال عيني القارئة لا الكاتبة - كعشاق من لحم ودم .. كتاب يدعونا لاكتشاف ذاتنا العاشقة للقراءة».

رحلة لا تقدر بثمن لما تحويه من زاد ثقافي ممتع ومفيد يستحق أن يقرأ أكثر من مرة لما فيه من دروس مفيدة لكل منتمٍ ومهتم بالقراءة، ومن يريد أن يدخل عالمها فإنه سيجد المرشد القادر والدليل العارف الخبير الذي يوصله إلى مراده من فعل القراءة.