أقرأ على الأقل كتابين في الأسبوع من المنشورات الجديدة التي تصلني من دور نشر كثيرة، دأبت على هذه العادة منذ قادني القدر إلى الصحافة الثقافية، فوجدتني أنحسر شيئا فشيئا عن تغطية المعارض والمسرحيات ونشاطات ثقافية كثيرة قلّت أو غابت بسبب الظروف الصعبة التي ما إن تحلُّ على بلد حتى تختفي تدريجيا، وهكذا اكتفيت بالقراءة. ولأني صارمة في تقييم أي كتاب، فضّل كثر التوجه إليّ لتقييم ما يكتبون. إنّها مهمّة صعبة، خاصة بعد أن أصبحت أتلقى عشرات المخطوطات التي يلزمها الكثير من الوقت لقراءتها. ما يدفعني للاعتذار خاصة لأصحاب المخطوطات الهشّة لغويا وسرديا.

إن أسوأ ما قد يصادف القارئ المحترف هو تلك النصوص التي تشبه حكايات زبائن الحلاّق في انتظار أدوارهم. حكايات نسمعها أيضا في محلاّت البقالة، والمقاهي والأفران، وهي مسلية أيّما تسلية، لكنّها لا ترقى لمرتبة الأدب، ولا يمكنها أن تصنع من صاحبها أديبا، حتى وإن كان حكواتيا جيدا.

لكن مهلا ألا يمكن للحكواتي أن يكون أديبا؟ بالطبع يمكنه أن يمكنه كذلك، كما يمكن للأديب أن يكون حكواتيا ممتازا، لكن علينا أن نفصل بين الحكواتي والأديب حتى وإن اجتمعا في شخص واحد.

منذ سنوات تابعت مقابلة تلفزيونية للكاتب اللبناني أمين معلوف، وقد صدمت لأنه لم يكن في إجاباته بثراء أدبه وكتاباته المتنوعة، قال إنّه لا يملك موهبة الكلام، ولعلّه في ذلك يشبه الكاتب الفرنسي جول رونار الذي قال: "الكتابة هي أضمن طريقة للتحدّث دون مقاطعة" وهي كذلك فعلا، لكن أيضا لأن الكتابة نتاج فكري يحتاج لفعلين لاكتماله (التفكير بعمق والتعبير الكتابي الجيد)

ومع هذا قد يدّعي بعض الحكّائين أنهم أدباء، وينالون من الشهرة ما لا يناله أدباء جيدون، وهذا يعود لذائقة من رفع الحكّاء إلى مرتبة أديب، فغالبية القراء يريدون الحكاية، ولا يريدون اللغة وتقنيات السرد وطريقة بناء الحدث وما إلى ذلك من تقنيات الكتابة الروائية، ولنفس السبب سقط الشعر المعاصر من اهتماماتهم لأنّه يقوم على الحبكة اللغوية وما تحويه العبارة من جماليات.

وقد حدث وأن أشرت في مقالات سابقة إلى أن علاء الأسواني مثلا ليس أديبا، فلم يقبل محبوه، ومثله أسماء كثيرة نالت جوائز عربية مهمة وتربّعت على عرش الأدب ظلما لأقلام موهوبة كان من الممكن أن تخدم اللغة العربية وآدابها بشكل أفضل، فقد جمّدوا اللغة في مستوياتها البسيطة بعيدا عن مستويات جمالية يكرّسها الأديب ليحفظ اللغة من فقدانها لقيمتها الحقيقية. والأغرب حين يلجأ البعض الآخر للديباجة اللغوية كلباس فضفاض لقصّة سمجة، ويسميها أدبا. هذا أيضا نوع من التّحايل الذي يمارسه غوغائيو اللغة، فينصبون جماعتهم أدباء على قمة الهرم، فيما القارئ لنصوصهم يصاب بالصداع بعد قراءة أول صفحة من أي نتاج لهم.