لم يكن المسرح عند اليونان سوى طقوس دينية تقام في المعابد آنذاك، وقد كان يؤتى بالآلهة التي تدين لها وجدانات شعوبهم آنذاك، ليحضر تلك الاحتفالات على مذابح المعابد، وكانت تقام الطقوس على شكل أناشيد دينية طبقا لتقاليدهم العقائدية ولم يكن بها ذات تمثيل أو دراما بالمعنى المتعارف عليه في الفترات الحديثة..

لم يكن المسرح منذ تفتق طلعه الأول سوى ساحة لكل التنافس والسباق والامتلاك. فمن كان يمتلك ناصية المسرح كان يمتلك وجدان الشعوب، وذلك منذ ماقبل الميلاد.

لم يكن المسرح عند اليونان سوى طقوس دينية تقام في المعابد آنذاك، وقد كان يؤتى بالآلهة التي تدين لها وجدانات شعوبهم آنذاك، ليحضر تلك الاحتفالات على مذابح المعابد، وكانت تقام الطقوس على شكل أناشيد دينية طبقا لتقاليدهم العقائدية ولم يكن بها ذات تمثيل أو دراما بالمعنى المتعارف عليه في الفترات الحديثة.

لقد انبثق المسرح في عصوره القديمة عند اليونان كما هو متعارف عليه وكان موطنه هو تجمع من بعض المدن مثل (سيكوون، وكورينثة، وأتيكا، وأثينا) إلا أن أغلب الباحثين أكدوا أن أتيكا هي الرحم الأول لمولده، وكانت تلك الشذرات العقائدية في حوالي القرن السابع قبل الميلاد كما تذكر المصادر.

ولكنه يبادرنا ذلك التساؤل الملح: هل انبثق من رحم الدين أم من رحم السياسة وما هو دور المال؟ هذه المحاور الثلاثة هي ما تطرح تلك التساؤلات وهي تساؤلات تثير البحث والتأمل في أحوال أتيكا في ذلك الحين وكيف تحول المسرح من طقوس دينية إلى احتفالات ماجنة ثم إلى خشبات التمثيل والمسابقات المسرحية. والتساؤل الآخر والأشد إلحاحا وهو: ماهو دور المال في تاريخ المسرح وكيف أثر إن وجد وهل اختلاط المال والسياسة في نهضته ودنوه! ثم كيف أُستخدمت العقيدة في كل تلك المحاور تماشيا مع موجات الرواج التوجهي (المناخ العام)؟

إذا ما سلمنا أن أتيكا هي منبت المسرح فيما يقرب من القرن السابع قبل الميلاد، وكانت الطقوس الشعائرية تقام في المعابد بأناشيدهم الدينية، وكانت أتيكا كما يذكر التاريخ مدينة ذات رفاهة من العيش بفضل ما حباها الله من خيرات المناخ والزراعة وكثرة المحاصل، إلا أن "حكامها كانوا يحييون حياة أرستقراطية ويحيون حياة ناعمة بينما كان الفلاحون يرزحون تحت أعباء الحياة الثقيلة ويتضورون جوعا إذ كانوا يقدمون أراضيهم رهنا لهم، وإذا لم يستطيعوا استرداد أراضيهم أصبحوا عمالا زراعيين وإذا تراكمت أصبحواعبيدا".

لكن للسياسة في هذا المجال تدخلاتها فكيف توظف المسرح ليتسلل عن غير معرفة إلى قلوب الشعب في شكل احتفالات صاخبة ماجنة؟ ذلك عندما ظهرت قوانين سولون 594 ق م والتي لم تسبقها قوانين آنذاك تلك القوانين التي حاولت التوافق بين طبقة الشعب والطبقة الأرستقراطية وظهرت قوانين تحفظ للمدنيين حقهم وتعطيهم حق التصويت في الانتخابات. ومن هنا أفسح المجال السياسي للمسرح حيث تيقظ الارستقراطي (بيسيستراوس) لهذا الأمر فتزعم فئات الشعب ثم نصب نفسه حاكما. لم يكن (بيسيستراوس) بغائب عن وجدان الطبقة الشعبية وعن حبها للفنون وكيف يمكن أن يجمع قلوبهم وأفئدتهم في كفة، فاتجه لاستحضار (دينسيسوس) تلك الآلهة الغفل التي لم تكن على قدر آلهة الأولمب ذات التوجهات الأرستقراطية، ومن هنا توجه (بيسيستراوس) إلى نينيسيوس واعتمد على استحضاره؛ فاندفعت الأمة نحوه وكأنهم ينتقمون من الطبقات الأرستقراطية في ذلك الحين.

ومن هنا نلمح تلك اللعبة الدنيئة في استغلال العقيدة والفنون لتحقيق مطامح سياسية وهو ما فعله (بيسيستراوس) لأنه بذلك امتلك ناصية الشعب فـ(دنسيسوس) هو ما كان يرونه المزارعون والفلاحون في عقيدتهم بأن يخصهم، ولذلك ظهرت الألعاب (الدثرامبية، أو أغاني الماعز) وكانت بداية لظهور المسرحي كما هو متفق عليه بين مؤرخي المسرح ونشأته.

فلولا اهتمام (بيسيستراوس) بإظهار واستجلاب (دينيسيوس) إمعانا في ترسيخ حكمه بامتلاك أفئدة المزارعين والعمال والفلاحين، يمكن القول إنه لما تطور الفن المسرحي. فالاحتفالات الدسيونيسية والألعاب الدثرامبية، هي احتفالات هؤلاء من الطبقات الشعبية والتي جعلوها على مدار أربعة فصول تبعا لفصول السنة وحصاد العنب وعصيره وما إلى ذلك.

هذا الالتفاف حول (بيسيستراوس) والذي سبقته قوانين سولون التي أعطت للشعب حق الانتخاب، ومن هنا نجح الرجل بأصواتهم وتأييدهم فهو من وقف معهم وأتى لهم بـ(دينيسيوس) الذي يعبر عنهم في عقيدتهم.

ومن هنا كانت الاحتفالات الماجنة - وهي على العكس مما كان يقدم في المعابد من طقوس دينية وأشعار تستمر لعدة أيام تمجد في الآلهة- بداية لفنون اللعبة التي يمكن القول إنها بذرة الكوميديا، وهي على عكس من التراجيديا.

فاحتفالات دينيسيوس هي تلك الفنون للطبقات الشعبية الكادحة والتي يتخذونها معاندة وكرها في الطبقات الأرستقراطية. ومن هنا نأتي لدور المال أيضا، فقد كانت المسابقات في آثينا تقام بين الفرق التي تمثل مدنها وعندما تفوز فرقة من مدينة من مدن اليونان كانت المدينة هي التي تفوز وتحمل أغصان الغار، فكانت المسابقات بين القبائل أكثر تنافسية من كونها مسرحية، حيث أن شرف الفوز يعد شرفا للقبيلة نفسها، وبذلك كان التجار ورجال الأعمال هم من يمولون الفرق وهم من ينفقون عليها وسط تدريبات تصل إلى ستة أشهر، فتنافس رجال القبيلة والإنفاق على الفرق المسرحية هو مايعود عليهم بالنصر، ولذا كانت تبذل الأموال الطائلة لنيل الجائزة. وبذلك نرى كيف كان المال والسياسة والعقيدة تلعب دورا مهما في نشأة المسرح حيث كل يجذبه إلى حيث يريد وإلى أي متجه يتجهه بحسب مايعود عليه بالمصلحة والنفع، وهنا تكمن خطورة المسرح!.