أمامي رمزٌ غامض..
أنا في مقهى أتردد إليه منذ سنين وفيه شكلٌ معلق لا أعرف معناه، كأنه كلمتان عربيتان بلا نقط أو همزات، وكأنّه الكتابة المتصلة في الأبجدية الإنجليزية، يمكن أن أعرف معناه بسهولة، وذلك بسؤال المالك، لكني أرفض، إنني أتعمد ألا أعرف! ما الحياة بلا غموض؟، لو كُشِفَت الأستار ورُفِعَت الحُـجُب وحُلَّت الألغاز.. أيبقى شيء في الحياة ممتعا؟.
الخدع المسرحية ممتعة للكبار والصغار، يشق الساحر فتاة نصفين وإذا بها سالمة، أو يجعل شيئا يختفي في قبضته، فتصفق مدهوشاً، حتى يدفعك فضولك أن تقرأ شرحا للخدع، فتضحك إعجابا، لكن يتوقف ضحكك بعد أن عرفت سر الخدعة، لن تستمتع بها أبدا، زال الغموض الممتع، تبددت المجهولية الشيقة.
خطيبك أو خطيبتك، ما أروعها! كل صغيرة تثير الإعجاب، السبب هو الغموض، حتى إذا تزوج الاثنان وزال الغموض تبخرت تلك المرحلة المفتونة، في صغري لعبت لعبة فيديو لكن بدأتها بالغش، برموز تعطيك أقوى الأسلحة، فأنهيت كامل اللعبة في وقت قصير ولم أجد فيها أي متعة، بدلا من التوتر الممتع الذي يسببه التحدي وعدم علمك إن كنت ستنجو من الوحوش فإني مضيتُ واثقا أُبيدهم بعينين مغمضتين وبسأم.
لننتقل لمرحلة أعلى، فكّر في القَدَر.. لو كشف لنا الغيب ورأينا المستقبل هل سيظل في الحياة متعة أو تشويق؟ مشروع، اختبار، شريك حياة، امرأة أحلام، وظيفة، مقابلة، سفر، صداقة، أيا كان ما تصبو إليه فإن توتُّر مجهوليته مشوّق.. نعم، التوتر رائع! إنه يُشعِرك بالحياة.
تخيل لو أنك فور استيقاظك نزلت عليك ورقة فيها جدول يُفصّل كل صغيرة وكبيرة ستحصل، حتى الكيس الذي يتطاير في الشارع، الآن تخيل عاشر يوم بعد هذا: تصحو، تجد ورقة اليوم، تفعل وتشاهد كل صغيرة وكبيرة عارفا أدق تفصيل فيما سيحدث، صرتَ كالآلة، لا مفاجآت، لا أخطاء، لا توتر، مجرد أحداث متعاقبة ببرودٍ ميكانيكي، حتى لو ركبتَ «قطار الموت» أو واجهت أسدا لتثاءبت ضجرا؛ لأنك تعرف أنك ستنجو لتؤدي الحدث التالي.
وها أنا أنظر للشكل المجهول أمامي، عازما أن أقاوم كل من تسول له نفسه أن يفسرّه ويفسد عليّ الغموض الممتع!.
التعليقات