أنا على يقين أن المواطن السعودي يشعر بالرضا التام عن حديث الأمير بندر بن سلطان، ليس تنصلا من أهم القضايا التي ارتبط بها تاريخنا المعاصر بل من أجل حماية أمننا الوطني الذي يعتبر «خطا أحمر» والدفاع عن حدود بلادنا وسمعتها أمام أمواج المخاطر التي تحيط بها، فكما يصف الأمير بندر الوضع «نحن في الخليج نمثل جزرا آمنة» في منطقة يعمها الفوضى،

يبدو أن عصر الصمت والمجاملة انتهى، فالوضع الدولي والمخاطر التي تحيط بنا لم تعد تسمح بأن نتجاوز عن أخطاء الآخرين خصوصا إذا كانوا «كذابين وغشاشين وغير أوفياء وناكرين للمعروف»، على حد قول الأمير بندر بن سلطان في حديثه للعربية الذي استمر على مدى ثلاث حلقات عرى فيها كثيرا من الحقائق التي تقاطعت مع القضية الفلسطينية وقياداتها. المواقف الثابتة للمملكة التي كانت دائما في صف فلسطين وكانت تغض الطرف عن الأخطاء المتتالية والكبيرة للقيادات الفلسطينية لم تكن كافية لكف الشتائم التي يكيلها الفلسطينيون وقياداتهم للمملكة، ولكن يبدو أنه «بلغ السيل الزبى» ولم يعد هناك متسع لمجاملة قيادات لا تفكر إلا في مصالحها الخاصة وجعلت من قضية بلادها مطية لتحقيق هذه المصالح. فقد كان من الضروري أن يحذروا «غضب الحليم» وأن يتعلموا أن حلم المملكة ليس ضعفا بل إيمان بقضية فلسطين العادلة، فكما يقول بندر بن سلطان «فلسطين هي الأرض والناس وليس القيادات» وهذا ما يجعل المملكة في صف هذه القضية العادلة.

وصف المتنبي ينطبق على حالة التأني والحلم الذي كانت تمارسه المملكة في تعاملها مع القيادات الفلسطينية عبر عقود من الزمن، فيقول:

إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنن أن الليث يبتسم

السعوديون حكومة وشعبا عرفوا بالنفس الطويل والتضحية من أجل الآخر وخلال العقود الأخيرة أنفقت المملكة مليارات الدولارات من أجل دعم أخوتنا العرب في كل مكان، ومع ذلك معدل الكراهية من قبل هؤلاء الأعراب للسعودية مثير للانتباه. ربما يعتقدون أن هذه المساعدات حق من حقوقهم وليس تفضلا من السعودية عليهم، وربما لأننا لم نتعود أن نتبع العطاء بالمن والأذى، تصوروا أن هذه غفلة منا وضعف وعدم دراية؛ ولأنهم عرب بالاسم فقط لم يلتزموا بالأخلاق العربية المتمثلة في المروءة والنخوة والفزعة فظنوا أن الليث الذي يركنون إليه وقت حوائجهم سوف يستمر في ابتسامته ودعمه لهم، لقد تغيرت الظروف ولم يعد العالم كما نعرفه ولم يعد العرب الذين نعرفهم اليوم هم نفسهم أصحاب عقيدة العروبة، رغم كل أخطاء تلك العقيدة، من كنا ندعمهم ونضحي من أجلهم ارتموا في أحضان أعدائنا، فهل بعد ذلك يستحقون منا العطف والدعم.

يقول الأمير بندر إن «القضية الفلسطينية عادلة يقودها محامون فاشلون بينما القضية الإسرائيلية غير عادلة لكن يقودها محامون ناجحون»، ومع ذلك وقفت السعودية خلال العقود الفائتة مع هؤلاء الفاشلين محاولة نصحهم وتوجيههم وفتح الفرص لهم مرة تلو أخرى لكن دون فائدة، لأن هؤلاء المحامين لا يريدون أن تنتهي هذه القضية فنهايتها تعني نهاية مصالحهم. سياسة النفس الطويل التي مارسها قادة المملكة تعبر عن فلسفتها السياسية، فعدم الإفصاح عما قامت به المملكة في السابق لا يعني أنها كانت واقفة دون حراك تتفرج على الأحداث بل ساهمت وشاركت في كل حدث ودعمت بالنفس والنفيس قضية فلسطين في جميع المواقف والأحداث. ويبدو أن الوقت قد آن أن تظهر الحقائق، فعندما يقوم رجل مثل الأمير بندر، العسكري والدبلوماسي، الذي عاصر أغلب الأحداث المهمة وتقاطع معها، بطرح هذه الحقائق بعفوية وصراحة فإن هذا يؤذن بعصر جديد للسياسة السعودية.

أنا على يقين أن المواطن السعودي يشعر بالرضا التام عن حديث الأمير بندر بن سلطان، ليس تنصلا من أهم القضايا التي ارتبط بها تاريخنا المعاصر بل من أجل حماية أمننا الوطني الذي يعتبر «خطا أحمر» والدفاع عن حدود بلادنا وسمعتها أمام أمواج المخاطر التي تحيط بها، فكما يصف الأمير بندر الوضع «نحن في الخليج نمثل جزرا آمنة» في منطقة يعمها الفوضى، ويجب ألا نسمح لأي كان أن يجرنا للفوضى، المرحلة القادمة ستكون مرحلة الشفافية والصراحة وإظهار الحقائق، وهذا حق من حقوق المملكة، فعلى جميع العالم أن يعرف ماذا قدمنا؟ وكيف عمل قادتنا من أجل تحقيق السلم الإقليمي والعالمي؟ وهذا يتطلب منا بناء قواعد المعلومات للوثائق التي نملكها وإخراجها للعلن، فنحن في عصر المعلومة التي تصنع الحدث الإعلامي ويجب أن نوظف ما نملك لبناء إعلام سياسي سعودي جديد.