إن هذه الأمور التي تخضع للتطوير منها ما يختلف التعاطي معه باختلاف الأزمنة والوسائل والإمكانات، فينبغي أن تتطور باعتبار تطور ما يؤثر فيها، ونحن نشهد في هذا العصر تطور الوسائل، واعتماد الناس في كثيرٍ من حياتهم على التقنية الحديثة، فلزم أخذ ذلك بعين الاعتبار..

من الأمور التي يتوقف عليها التقدم والازدهار التطوير المستمر، واستمرار التطور يستدعي الدؤوب على الاستفادة من كل ما يتوفر من الإمكانات العلمية والبشرية، وعدم التوقف عند إنجازٍ معينٍ، بل يطمح إلى ما هو أبعد وأعظم، ومن هذا المنطلق اعتنت وزارة العدل في المملكة العربية السعودية بالتطوير، فما زالت تحلق في سماء التجديد، وتبحر في عباب التقدم، في جميع محاكمها المتخصصة، وقد اختصرت للناس المسافات الزمنية والمكانية، فصار تطويراً يسابق الزمن، وتنبع أهمية ما تنجزه في هذا الصدد من أهمية الدور المنوط بها؛ فإن النظام العدلي من ركائز الحياة، ولا يستغني الناس عن محاكم تبتُّ في خصوماتهم، وتوصل الحقوق إلى ذويها، وتخصيص كل محكمة بقضايا مخصوصة ينتج عنه الإبداع والنضج والإنجاز والإتقان، وقد تقدمت نحو الأمام بخطوات موفقة من أهمها موقع ناجز الذي يشتمل على أكثر من 120 خدمة إلكترونية، يستغني بها المستفيد عن مراجعة المحاكم، ومن المحاكم التي يكثر سواد المستفيدين منها، وتُقدِّمُ خدماتٍ لا يستغني عنها أغلب أفراد المجتمع محكمة الأحوال الشخصية،  ولي مع ذلك بعض الوقفات:

الوقفة الأولى: وفرة وجودة الخدمات التي تقدمها محكمة الأحوال الشخصية للمجتمع: ومنها: أولاً: أ-الخدمات الإنهائية: والتي تكون من طرف واحد وليس فيها تدافع ولا ترافع، وتشمل: إثبات الزواج، وإثبات الطلاق، وإجراء عقود الزواج في المحكمة نفسها، وتصديق عقود الزواج التي أجراها المأذونون، وحصر الورثة، وإقامة الولي على القاصر، وقسمة التركة بالتراضي إذا اشتملت على وقفٍ أو وصيةٍ أو قاصرٍ، وإثبات الحضانة من دون خصومة، ب- إثبات الوصية أو الوقف التي لم يدخلها النزاع.

ثانياً: الدعاوى: وضابطها الاختصاص بقضايا الأسرة التي طالها النزاع مثل: الحضانة، والزيارة، وفسخ النكاح، والخلع، ودعاوى العضل، وقسمة التركات عند النزاع، والدعاوى في قضايا الوصية والأوقاف.

الوقفة الثانية: أما الخدمات التي طالها التطوير، فهي: أ- إثبات الحضانة: فقد صدر قرارٌ من المجلس الأعلى للقضاء بأنه في حالة كون الأطفال لدى أمهم ولا يوجد نزاعٌ في الحضانة فبمقدورها أن تتقدم للمحكمة بطلب إثبات حضانتها لهم، وصلاحيتها لذلك حسب الشروط، وبالتالي يصدر لها صكٌ شرعيٌ يسهل إدارة شؤون أبنائها لدى الدوائر الحكومية، ب- فيما يتعلق بالعضل صدر قرارٌ من المجلس بتخصيص دائرة فردية لدعاوى العضل لتنظر في مثل هذه القضايا في فترة لا تتجاوز ثلاثين يوماً، ج- أما قضايا التركة فصدر أيضاً قرارٌ من المجلس بتخصيص دائرة مشتركة لينظروا في نزاعات التركة إذا كان المبلغ خمسين مليوناً فأكثر، د- أما عقود الزواج فأصبح العقد إلكترونياً، فمتى ما أجراه المأذون يعمل إحالة للمحكمة، فتنظر فيه، فَيُصدَّق إذا وافق الشروط والأركان، ومن ثم تشعر الأحوال المدنية بهذا العقد إلكترونياً، هـ- أما الطلاق: ففي السابق من كان يرغب بالطلاق فإنه يتوجه للمحكمة مباشرة، ويثبت الطلاق في يومه، أم الآن فيتقدم بطلبٍ إلكتروني، ويحال طلبه إجباراً لمركز المصالحة في الوزارة، فَيُدرسُ طلبه، فينتج من ذلك حالتان: إما تراجعه عن الطلاق بفضل الله تعالى، ثم بفضل الصلح، وإما أن يُصِرُّ على الطلاق، فَيُلبَّى طلبه بعد إصلاحِ التبعات الناشئة عن الطلاق فيما يتعلق بالحضانة والنفقة والزيارة، ويصدر بذلك محضر للصلح يكون عبارة عن سندٍ تنفيذيٍّ يتم تنفيذه عن طريق محكمة التنفيذ، وإن لم يتم الصلح فتُنظر جميع تلك القضايا قضاءً، وبالتالي فقد نتج في الحالة الأولى تقليص نسب الطلاق بصورة رائعة، والْتِآمُ شمل الأسرة، ونتج من الحالة الثانية تقليص عدد الدعاوى التي تتعلق بهذه الأسرة التي انفصم عقد شملها.

الوقفة الثالثة: أما مدى الأثر الإيجابي لهذا التطوير؛ فإن هذه الأمور التي تخضع للتطوير منها ما يختلف التعاطي معه باختلاف الأزمنة والوسائل والإمكانات، فينبغي أن تتطور باعتبار تطور ما يؤثر فيها، ونحن نشهد في هذا العصر تطور الوسائل، واعتماد الناس في كثيرٍ من حياتهم على التقنية الحديثة، فلزم أخذ ذلك بعين الاعتبار، ومن هذه الأمور ما يخضع للنظر وتقدير المصالح والموازنة بينها، وهذا القسم أيضاً تقتضي المصلحة التجديد فيه، ومنها تخصيص بعض القضايا بدائرة مشتركة إذا كان المال المتنازع فيه مبلغاً كبيراً، وهذا تصرُّفٌ مبارك؛ لأن النزاع في المبالغ الطائلة ليس كالنزاع في غيرها، وبما تقدم من هذا التنظيم تحققت نتائج كثيرة منها: أن هذا التطوير حقق كثيراً من الأهداف الاستراتيجية لوزارة العدل منها: الحصول على العدالة الناجزة، ورفع مستوى الخدمة، وتدني مستوى الطلاق، والخلاف والخصام، فشكراً لمعالي وزير العدل على هذا التطوير العظيم، وعلى اختياره لرؤساء المحاكم بدقةٍ متناهية، والذين من بينهم رئيس محكمة الأحوال الشخصية في مدينة الرياض فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد الرشود.