السلام قوة تحتاج إلى إرادة وصبر ووحدة وطنية، وإسرائيل كانت ترفض مبادرات السلام لأنها تدرك أنها على المدى البعيد تشكل خطراً عليها، أرادت دائماً استمرار حالة اللاحرب واللاسلم، واستفاد المتاجرون بالقضية من هذا الوضع ومازالوا يفعلون ذلك..
واجهت فلسطين قوة احتلال غاشمة مدعومة بآلة عسكرية لا تتيح مجالا للتكافؤ، كان شعار القيادات الفلسطينية هو أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، غاب عن القيادات الفلسطينية أن طريق السلام أيضا قوة يمكن أن تسترد الحقوق من خلالها، والتاريخ شاهد على ذلك. لم يغب خيار السلام عن القيادات الفلسطينية ولكنه كان خيارا مترددا ويأتي دائما في الوقت الضائع وفي الزمن الذي يضعف فيه الموقف التفاوضي للقيادات الفلسطينية.
نقرأ بعض صفحات التاريخ من مصادر موثوقة:
(في صيف 1981 أدلى الأمير فهد - يرحمه الله - لوكالة الأنباء السعودية بتصريح عن القضية الفلسطينية، كان التصريح يحتوي على مشروع للسلام مكون من ثماني نقاط، وكانت النقاط تلخيصا جيدا للموقف العربي المعتدل من القضية الفلسطينية. ولم تكن تخرج في جوهرها عن قراري مجلس الأمن 242 و338 بشأن الشرق الأوسط، تحدث المشروع عن انسحاب إسرائيلي كامل وعن دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس. وعن تعايش دول المنطقة، بدأت ردود فعل عالمية تترى، صرحت دول عربية عديدة أنها تؤيد المشروع، وأعلنت إسرائيل معارضتها العنيفة، وقالت الولايات المتحدة إن المشروع جدير بالدراسة، وأيدته الصين الشيوعية بحرارة، والهند.. وبعد التصريح بشهر كان مشروع الأمير فهد للسلام قضية الساعة في العالم العربي.. من كتاب: الوزير المرافق / الدكتور غازي القصيبي).
السؤال الآن، كيف كان موقف القيادة الفلسطينية من هذا المشروع المستند على قراري مجلس الأمن، ويتحدث عن انسحاب إسرائيلي كامل ودولة مستقلة عاصمتها القدس وحظي بتأييد عربي ودولي.
بعد أن تحدث الدكتور غازي في الكتاب المشار إليه عن ردود الأفعال على مشروع السلام تطرق إلى موقف ياسر عرفات (أما ياسر عرفات فكان كعادته يطلق عشرات التصريحات المتناقضة، يجيء إلى المملكة فيقول إنه شخصيا مع المشروع، ويغادر المملكة فيقول إن رأيه الشخصي لا يهم والمهم موقف قيادة منظمة التحرير، وفشلت كل محاولات الأمير فهد للحصول على موقف (واضح) من عرفات.
بدأت هذا المقال برواية الدكتور غازي القصيبي - يرحمه الله - كتمهيد للحديث عن الفرص التي لم تستثمرها القيادات الفلسطينية كما ينبغي، يضاف إلى الفرصة التي أشرنا إليها مباردة الرئيس التونسي بورقيبة - يرحمه الله - التي رفضتها القيادة الفلسطينية، ومبادرة الرئيس السادات - يرحمه الله -، والمبادرة العربية في قمة بيروت.
مبادرة السلام العربية التي أعلنت في قمة بيروت عام 2002 أقرت أن السلام العادل الشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظل الشرعية الدولية ويستوجب التزاما مقابلا تؤكده إسرائيل، المبادرة تدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967 تنفيذا لقراري مجلس الأمن 242 و338، واللذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى قبولها دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل.
كان الخيار الواقعي للقيادات الفلسطينية تفعيل تلك المبادرة العربية بكل الطرق السياسية والإعلامية على المستوى الدولي الذي كان ينتظر من فلسطين قرارا يؤكد الأخذ بخيار السلام، هذا الخيار حين يجمع بين الدعم العربي والتأييد الدولي سيشكل مع الزمن ضغطا على إسرائيل.. ماذا حدث؟
قابلت القيادات الفلسطينية مبادرات السلام بخطاب التخوين والشعارات التي لا تحقق أي شيء على أرض الواقع، صحيح أن إسرائيل بلد معتد ومحتل، ومواقفها متعنته وتسعى لانقسام الفلسطينيين، وتخشى مبادرات السلام أكثر من تهديدات الحرب. نعم إسرائيل عقبة في طريق السلام، هذا الموقف الإسرائيلي كان يفترض أن يدفع بالقيادات الفلسطينية إلى الموافقة على مبادرات السلام وتفعيلها خاصة تلك التي تحظى بموافقة دولية. لكن القيادات الفلسطينية سارت في طريق رمادي، ثم اتجهت إلى المتاجرين بقضيتهم مثل إيران وتركيا وقطر وخسرت أقوى أوراقها وهي الوحدة الوطنية.
هذا الفشل في استثمار الفرص وفي عدم القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية لا تعترف به القيادات الفلسطينية، وتجد المخرج في الإسقاط على الدول العربية التي كان شغلها الشاغل طيلة سبعين عاما قضية فلسطين، في مقابل ذلك تتخلى القيادات الفلسطينية عن مبدأ رفض الاحتلال وتتحالف مع إيران التي تتفاخر باحتلال أربع عواصم عربية!
السلام قوة تحتاج إلى إرادة وصبر ووحدة وطنية، وإسرائيل كانت ترفض مبادرات السلام لأنها تدرك أنها على المدى البعيد تشكل خطرا عليها، أرادت دائما استمرار حالة اللاحرب واللاسلم، واستفاد المتاجرون بالقضية من هذا الوضع ومازالوا يفعلون ذلك ويرفضون أي حل يقضي على تجارتهم.
التعليقات