مناسبة هذا السؤال، تأتي في إطار تداعيات جائحة كورونا على كافة الأنشطة الإنسانية ومنها الفن السينمائي، فمن الضرورة بمكان العمل على إقامة مراجعة نقدية لمجمل الأنشطة السينمائية في المنطقة العربية، للخروج بأسئلة تحدد الحيز الذي يشكله الفيلم في الحياة الإنسانية.
التساؤلات التي نطرحها ليست إلا محاولة لتقصي المسافة التي يمكن أن تتيح للفيلم العربي الاندماج والتفاعل مع المستجدات الواقعية التي ستواجه المجتمعات العربية في قادم الأيام.
قبل موضوع كورونا كانت الاستعدادات جارية لتأسيس مقدمات أولية لبناء صناعة سينمائية في المملكة بعد أن ظهرت عدد من المواهب الشابة في إطار إخراج الأفلام خاصة بين النساء أمثال هيفاء المنصور وهند الفهاد وعهد كامل وريم البيات وأخريات، إضافة إلى أن مهرجان البحر الأحمر السينمائي والذي كان قد أوشك أن يفتتح أبوابه، وكان من الممكن أن نرى إشارات جديدة بعد الاستعدادات الكبيرة في إطاره التنظيمي، أبرزها أن المخرج الأميركي أوليفر ستون تم اختياره على رأس لجنة تحكيم المهرجان.
من وجهة نظرنا السؤال الأهم: هل من الضروري أن يكون الفيلم من حيث أولوية وظيفته مندرجا في السياق الثقافي والترفيهي، أم حان الوقت لإيجاد آليات جديدة للانتاج السينمائي تتفاعل مع التقنيات الرقمية في البث الفضائي لتفعيل العامل الاستثماري كما هو الحال مع شركة نتفلكس التي حققت أرباحا غير متوقعة، بينما مُنيت شركات الانتاج بخسائر كبيرة بسبب أساليبها التقليدية؟
من المؤكد أن شركات الانتاج في أميركا والهند وعدد من الدول الأوربية قد وضعت خططا بديلة لمواجهة مآلات جائحة كورونا على كافة أوجه فعاليات الانتاج السينمائي.
وقبل الإجابة على كل ما يُطرح من تساؤلات بهذا الموضوع لا بد من تقديم إحاطة موضوعية لتاريخ الانتاج السينمائي في المنطقة العربية، والنقطة الأبرز التي تظهر في هذا السياق تشير إلى عدم وجود استراتيجية واضحة منذ البواكير الأولى لتأسيس صناعة سينمائية تستثمر الأفكار والقدرات البشرية لإنتاج قاعدة مادية تحقق الأرباح، وبنفس الوقت تكون منصة لانتاج بنى جمالية لها فرادتها وخصوصيتها المحلية في بناء الفيلم من الناحية الأسلوبية، كما هو الحال في السينما الهندية والأميركية والفرنسية، وهنا لا بد أن نستثني من هذا السياق التاريخي جهود الاقتصادي المصري طلعت حرب (1867 - 1941) مؤسس بنك مصر، حيث كان له مشروع ورؤية لدعم الصناعة السينمائية في مصر. إن غياب الرؤية الاقتصادية عن بنية الصناعة السينمائية، يعني حرمان الدخل الوطني من رافد مهم من الايرادات، وهذا يشمل جميع البلدان العربية التي دارت فيها عجلة الانتاج السينمائي.
والانتاج السينمائي العربي رغم تاريخه البعيد إلا أنه مايزال في مرحلة المراهقة، طالما لم يستطع أن يؤسس له أي حضور في سوق المنافسة الدولية، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن المشهد السينمائي العربي قائم على جهود فردية، وهذا المسار لن يخلق قاعدة متينة ولا يستشرف أفقا واضحا.

التعليقات