مستوى التفاعل بين الفيلم الروائي وموضوعات الحياة كان ومايزال بغاية التنوع، وتمكنت السينما من أن تستوعب أكثر القضايا صعوبة في التناول، عبر جملة تقنيات سردية يتمتع بها الفيلم مكنته من أن يحيلها إلى حكاية قابلة للسرد، تتوفر فيها عناصر المتعة والتشويق والإثارة، وبذلك اخترق الفيلم السينمائي الحواجز التي تبدو بظاهرها تمنع اقترابه من أي قضية يود السينمائيون تحويلها إلى مقاربة سردية قادرة على استقطاب اهتمام المتلقين بكل مستوياتهم الثقافية. من الصعب هنا أن نستعرض هذا التنوع في الموضوعات التي تناولتها السينما الروائية، إلا أننا نستطيع القول بأنها مثلما نجحت بالاقتراب من العلماء في مختبراتهم وصراعات القوى السياسية على السلطة وحياة الناس البسطاء نجحت أيضاً في كشف ما هو مخفي من حياة الأدباء.
والأدباء كانوا من الموضوعات الملهمة في تاريخ الإنتاج السينمائي، ودائماً ما عاد المنتجون إلى حياتهم ليستثمروا فيها، ومن بينهم ما كانت سيرته الذاتية تحمل بين طياتها من الخصوصية والتفرد ما يجعلها مادة سينمائية دسمة، يمكن العودة إليها مرة واخرى في أكثر من فيلم، كما هي الحال مع الروائي الأميركي ارنست همنغواي (1899 - 1961) الذي كان صياداً للحيوانات ومراسلاً حربياً إضافة إلى كونه روائياً. وبعضهم قد تصبح حياته الشخصية بما يكتنفها من غموض مادة سينمائية مثيرة، مثلما هي الحال مع الروائي الأميركي جيروم ديفيد سالينجر (1919- 2010) صاحب الرواية الشهيرة "الحارس في حقل الشوفان" التي حققت مبيعات خيالية وصلت إلى 65 مليون نسخة، وترجمت إلى 30 لغة، ويباع منها سنوياً ما يصل إلى 250 ألف نسخة. وقد مثّل شخصية الروائي سالنجر الممثل نيكولاس هولت، وكتب سيناريو الفيلم وأخرجه داني سترونغ عام 2017. وجد كاتب السيناريو والمخرج سترونغ في هذه الشخصية عناصر درامية تصلح أن تكون مادة سينمائة يمكن سردها على الشاشة ويمكن أن تكوّن صورة استعارية لما يواجه الروائي من تحديات مع نفسه حتى يؤكد موهبته ولا يُخضع عوالمه الفنية لاشتراطات مؤسسات النشر التي تتحكم وفق ضوابطها بما ينبغي تقديمه من أدب للقراء. وقد تمكن الفيلم من الدخول إلى عالم هذا الروائي الغامض سواء في حياته الشخصية أو في مسيرته المهنية باعتباره مؤلفاً للقصص والروايات، خاصة بعد أن اعتكف في منزل ريفي في ذروة نجاحه بعيداً عن صخب المدينة وأضوائها وحفلات توقيع الكتب، وبقي ملتزماً بهذا الخيار حتى وفاته. والفيلم من حيث السيناريو نجح كثيراً في الكشف عن خبايا هذه الشخصية التي بقيت لغزاً محيراً بين الأوساط الأدبية خاصة فيما يتعلق بحياته الشخصية.
وفي ما يتعلق بالسينما العربية فإننا نجدها لم تمتلك الجرأة في ملامسة حياة الأدباء العرب، ولا نعرف ما الأسباب، رغم وجود أسماء مهمة ومؤثرة تستحق أن تكون مادة سينمائية، وما يؤسف له أن حقلاً بغاية الثراء من الممكن ان يُقدّم للمتلقي مادة مؤثرة على المستوى الفكري والإنساني ظل مهملاً.

التعليقات