من الصورة الحسنة التي ينبغي للمسلمين إظهارها، أسلوب الظهور الإعلامي المتنوع بكل أشكاله والتحلي في ذلك بالآداب والأخلاق المرغبة في هذا الدين، دون إغفال جانب «لتعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة» فإن الظهور الإعلامي الجامد على الوقار والسكينة والحشمة أمرٌ لا يصلح لكل الناس وإن صلح لبعض أفراد المسلمين..

سؤال لا بد من طرحه والإجابة عنه: كيف نحن في نظرهم؟. ليس وفق ما يتحدث به الآخرون عنا «معشر المسلمين» فإنهم قد يتحدثون بكثير من السلبيات التي يعلمون أنهم ليسوا صادقين في تلفيقها، ولكن وفق ما يعتقدونه ويدركونه.

وفي حديث «هرقل» الطويل والمشهور حين كان يسأل أبا سفيان عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كان أبو سفيان يعرض الحقائق ويبحث عن فرجة لإدخال «الزيف» فيها، - ولولا اهتمامه بنظرة قومه إليه لكذب - ومع كونها حقائق إلا أن طريقة عرضها تتحكم به حركات وأساليب وتقاطيع وجه المتحدث، كل ذلك وهي حقائق فكيف حين يجد إعلام الخصم «الثغرات» و»الهفوات» التي يدخل منها لتشويه الإسلام؟

ومن هذا الباب كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حريصًا على رسم صورة جمالية عن الإسلام لتكون معينةً له ومرغبةً لدعوة الأمم الأخرى إليه، وفي المسند مرفوعًا «العبوا يا بني أرفدة ليعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة» وفي رواية «إني أرسلت بحنيفية سمحة» فكانت تلك الرقصات والحركات الترفيهية ليست مقصورة على أولئك النفر من الحبشة ليلعبوا بحرابهم وتستجم نفوسهم في ساعة فرح، وإنما كانت ساعات أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقلها إلى العالم كله ليعلم سماحة دين الإسلام، وهو ما تحقق من تدوين تلك الساعات وإبلاغها العالم.

والاهتمام بنظرة الآخرين مهم جداً لأنه المفتاح الأهم لقبول الحق ونصرته، وبناء عليه امتنع صلى الله عليه وآله وسلم من قتل رؤوس النفاق مع استحقاقهم للقتل حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.

وفي زمننا هذا قربت وسائل النقل والاتصال الأمكنة والأزمنة ويسرت للمسلمين إظهار أفراحهم وسماحتهم نقلًا مباشرًا ومصورًا بكل تفاصيله، وهذا الأمر هو ما يجعلنا أكثر حرصًا على أن تكون الصورة المنقولة للعالم صورة حسنة، شكلاً ومضمونًا، حتى نقرأ ما تفكر به شعوب تلك الأمم وما تنظر به إلينا، ليس بإعلامهم وإنما حقيقة النظرة فهي المراد؛ لأنها هي الحجة للمسلمين عند ربهم في إبلاغهم دينهم.

وفي القرآن الكريم «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة» فجعل الزينة رديفًا للمنفعة ومعطوفة عليها، والمعطوف بالواو لا يقتضي الترتيب لتكون الزينة فضلاً مؤخرًا، فلو تحققت الزينة دون الركوب فلا بأس في ذلك والعكس صحيح أيضًا، لما ما للزينة من مكان في شريعتنا، ولا يغيب عن متدبر التنزيل ما قرن بالزينة من خلق الله «وزينا السماء»، «حدائق ذات بهجة»، «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم»، «وصوركم فأحسن صوركم» فالحسن ملازم للخلق، وهو كذلك ملازم للدين «الله نزل أحسن الحديث»، «أحسن القصص». وفي حديث الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم «إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة؟» فقال صلى الله عليه وآله وسلم «إن الله جميل يحب الجمال» فهذا الحديث ظاهر وصريح في تجميل المنظر وتزيين الصورة، وإذا كان ذلك في شخص المسلم فهو في الأمة أظهر وأبين.

ومن الصورة الحسنة التي ينبغي للمسلمين إظهارها، أسلوب الظهور الإعلامي المتنوع بكل أشكاله والتحلي في ذلك بالآداب والأخلاق المرغبة في هذا الدين، دون إغفال جانب «لتعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة» فإن الظهور الإعلامي الجامد على الوقار والسكينة والحشمة أمرٌ لا يصلح لكل الناس وإن صلح لبعض أفراد المسلمين، فتزيين الصورة بألوان المرح والمزاح والطرفة والابتسامة والخفة البعيدة عن الأخلاق المذمومة أمر مرغب فيه شرعًا، ومن ذلك أيضًا الألعاب والاحتفاليات والقنوات الترفيهية والأعمال الكوميدية التي لا تخل بالقيم والأخلاق؛ تلك الأعمال مطلوبة وبشدة لنرتبط بها بالعالم من زاوية يلتقي فيها الناس باختلاف لغاتهم وأجناسهم وأديانهم، حين ذلك ستكون نظرة الآخرين إلينا هي النظرة المعتبرة وإن لم يفصحوا عنها، فحينئذٍ نحن نسير في الطريق الصحيح لعرض الإسلام. هذا، والله من وراء القصد.