إذا كان في كل ابتلاء «منحة» كما يُقال فإن في كورونا أكثر من منحة وفائدة، أولى تلك المنح أننا أصبحنا أكثر حرصاً على النظافة، فهي بعد الله خط الدفاع الأول في معركتنا ضد كورونا وغيرها من الفيروسات. كما تخلص الكثيرون من «الهياط» في الحفلات، والإسراف والمبالغة في النفقات، والاقتراض من البنوك للسفر إلى الخارج، كما تأكدت لنا أهمية أجدادنا وآبائنا، وظهر لنا مدى تقصيرنا في حقهم، وأننا لا نعرف قيمتهم إلا إن حدث لهم مكروه لا قدر الله، رغم أنهم بركتنا، وباب الخير المفتوح لنا، كما جعلتنا نعيد التفكير في معظم أنشطتنا الاقتصادية، وأولها التفكير بتحديد الفتح والإغلاق للمحلات، وهو ما سيجعل المتسوقين (حال الإقرار) أكثر حرصاً على شراء أغراضهم في وقت مناسب، ويوفر على التجار وأصحاب المشروعات هدر الكهرباء والمياه وفواتيرهما، ويخفض من تكاليف الصيانة الاعتيادية والفنية، وغيرها. كذلك أعادتنا إلى الأكل الصحي، وتقليل الشراء من المقاهي المطاعم، وهو ما كان يستنزف ميزانية الأسر، ويصيب البعض بأمراض، وبمقدمتها السمنة وتراكم الدهون غير الصحية، وتسمم الكثير منهم، وساعدت في تجنيب كبار السن المشكلات الصحية التي كانت تحدث لهم نتيجة ترددهم الكثير على المستشفيات، والتعرض للعدوى، بعد أن صار الذهاب للمستشفيات للضروريات فقط، كما زادت كورونا من تلاحمنا وعززت العلاقة الوطيدة بين القيادة وشعبها، خاصة بعد أن رأينا كيف تتصرف الدول التي تصف نفسها بـ «الكبيرة والمتقدمة» مع أبنائها، وكيف تتصرف المملكة مع شعبها فيما يتعلق بصحتهم وسلامتهم، وكشفت لنا المستور عن حقوق إنسان الغرب، وكيف كنا مخدوعين بأن الحياة الآمنة تتوفر في نيويورك وباريس ولندن وبرلين وغيرها، بعد أن رأينا كيف عاش أهل تلك المدن في رُهاب كورونا وكيف انكشف زيف نظامهم الصحي، وتقدمهم الطبي. والشاهد في كل ذلك أننا قضينا (5) أشهر تقريباً لم نذهب فيها إلى المرافق الحكومية والبنوك والأسواق الكبرى وأماكن الترفيه والمطارات، ورغم ذلك لم نشعر بأننا نفتقد الكثير، فهل نحافظ على عاداتنا التي اكتسبناها من جائحة كورونا، ونظل محافظين على نظافة البيئة في منازلنا ومساجدنا ومكاتبنا، وجميع الأماكن التي نتردد عليها، وكذلك تهوية المنازل، وترك التجمعات، لنقي أنفسنا الكثير من الأمراض والفيروسات؟ خاصة بعد صدور ملحق الإجراءات الاحترازية والبروتوكولات الوقائية، والذي نص على أن التباعد الجسدي بات ضرورة وليس اختياراً، وألزم الجميع بمسافة مترين وإلا تعرّض المخالف للمساءلة. ولا شك أن ذلك أمر واجب حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، بعد عودة فتح المساجد، وتشييع الجنائز والصلاة عليها، ومدارس تعليم القيادة، والمعاهد التعليمية، ومشاغل الخياطة، وقاعات الأفراح والمناسبات، وحضانات الأطفال، فكلها أماكن تكثر فيها التجمعات عادة، وإذا لم نلتزم فيها بالإجراءات الاحترازية، فلن نخرج من حصار كورونا، وسنعود مرة أخرى للحجر المنزلي، ويتوقف الاقتصاد، والحياة بصفة عامة، وهو ما لا يتمناه أحد. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار التحذير الأخير للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبريسوس من أن كورونا لا يزال يتسارع حول العالم، متوقعا أن تدوم آثاره والاقتصادية والاجتماعية لعقود، وقال المسؤول عن الطوارئ الصحية في المنظمة، مايكل راين، خلال مؤتمر صحافي إنه «حان الوقت فعلا لأن تنظر الدول إلى الأرقام». وأضاف بصيغة الرجاء موجهاً حديثه للعالم أجمع «أرجوكم، لا تتجاهلوا ما تقوله لكم الأرقام»، مشددا على أنه «يجب على الناس الاستفاقة».