يُستخدم مصطلح الإسكان الميسر Affordable housing لوصف الوحدات السكنية التي تقع ضمن «حدود التكلفة المعقولة» للأسر ذات الدخل المتوسط أو المنخفض. في الحقيقة، إن المفهوم الشامل لسياسات تيسير الإسكان أكثر تعقيداً لكونها تخضع لمتغيرات مكانية وزمانية، فالوحدات السكنية تتباين أسعارها تبعاً للتوزيع المكاني على مستوى المدينة نفسها أو وفقاً لطبيعة المدينة، وحجمها، وأهميتها الإقليمية. كما يتأثر الإسكان بالعوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، والإدارية؛ فأسعار الوحدات السكنية في المدن الكبرى تختلف كلياً عن الأسعار في المدن الصغيرة أو القرى على الرغم من ثبات خصائصها الفيزيقية.
إن أزمة الإسكان تترافق غالباً مع زيادة وتيرة التحضر أو ما يعرف بالتمركز السكاني في المدن، وما يصاحبه من هجرة للمجموعات الاقتصادية محدودة الدخل بحثاً عن فرص وظيفية أو تحسين أساليب المعيشة. وعلى الرغم من أن مخزون الإسكان في المدن الكبرى قد يشكل فائضاً كمياً مقابل الطلب، ولكنه في الوقت ذاته يعجز عن تلبية احتياج الفئات السكانية متوسطة أو محدودة الدخل؛ وذلك نظراً لزيادة الفجوة بين قيمة المسكن ودخل الأسرة. وبشكل عام، يتأثر حجم العرض والطلب في الإٍسكان بعوامل عديدة تتضمن دخل الأسرة، والتركيبة السكانية، ومعدل النمو السكاني، والهجرة الداخلية بين المدن، ومعدل نمو شريحة الشباب، وسياسات التمويل، وصناعة البناء، والتشريعات العمرانية في المدن.
إن اختزال مفهوم سياسات تيسير الإسكان بتوفير وحدات سكنية اقتصادية يعبر عن نظرة قاصرة للإسكان كعنصر متغير عبر الزمان والمكان. مثل هذا المفهوم يركز على التكلفة المباشرة للوحدة السكنية دون الأخذ بعين الاعتبار بالعوامل الاقتصادية المحيطة والسياق الحضري. إن المشروعات السكنية التي توصف بالإسكان الميسر قد تواجه بالرفض من المستفيدين لكونها لا تأخذ في عين الاعتبار «التكاليف غير المباشرة» مثل تكاليف النقل، والمعيشة في المدينة، وتكاليف المرافق، والخدمات. وعليه فإن سياسات الإسكان تسعى إلى تحقيق سوق الإسكان المتوازن والذي يحافظ على إمدادات كافية من الوحدات السكنية تنسجم مع حدود القدرة الاقتصادية، وتوافق مع الخصائص الاجتماعية للأسر ضمن إطار السوق العادل.
إن التباين في سوق الإسكان بين المدن يؤثر على طبيعة إنفاق الأسر على الإسكان والاحتياجات الأخرى مثل الإنفاق على التعليم، الصحة، والغذاء. ويعتمد مقياس تيسير الإسكان على التوازن بين عدد الوحدات السكنية وحدود الدخل للمجموعات الاقتصادية في المدينة. فالأسر التي يتم تصنيفها كدخل متوسط يمكنها تحمل تكاليف الإسكان في مدينة ما، ولكنها لا تستطيع تحمل التكاليف في مدينة أخرى نظراً لتباين سوق الإسكان. أقول، إن تصنيف حدود الدخل للمجموعات الاقتصادية يجب أن يتوافق مع حساب متوسط دخل الأسرة لكل مدينة. وتبعاً لذلك، فإن سياسات الدعم أو التمويل للإسكان يفترض أن تتباين بين المدن من خلال مقارنة متوسط الدخل العام للمدينة ومتوسط سعر المسكن ضمن إطار السوق العادل وذلك لتغطية الفجوة بين الدخل والإنفاق على الإسكان. وأخيراً، فإن تطوير قاعدة بيانات شاملة للمدن السعودية يمكن أن تكون خطوة أولى نحو صياغة سياسات إسكان عادلة تأخذ في عين الاعتبار التباين المكاني لخصائص سوق الإسكان في المدن السعودية.
- أستاذ الإسكان المشارك في جامعة الملك سعود
التعليقات