مع مرور الأسبوع تلو الآخر على إعلان فيروس كورونا جائحة عالمية، والكشف عن أولى الحالات بالمملكة، وصولاً إلى عداد بالآلاف اليوم، واجتهاد كل القطاعات بالمملكة في سبيل استمرارية الحياة ويوميات المواطن، وتوالي نزيف التضحيات من الجهات والأفراد، لم يقدّم قطاع تضحيّات في هذه الأزمة كما قدّم أفراد القطاع الطبي من الأطباء والممرضين والمسعفين، الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم من اللحظة الأولى، وسخّروا أوقاتهم وأعصابهم وسلامهم النفسي للعمل تحت وطأة ظروف غاية في الخطورة.

ففي الوقت الذي كان أقصى بطولة لأي إنسان في زمن الجائحة أن يحتمل الإجراءات الاحترازية وما يترتب عليها من سأم وتبدُّل في روتين الحياة، وقف هؤلاء في منطقة متقدمة وعلى خط المواجهة مع فيروس مُستجد يجهل عنه العالم أكثر مما يعلم، معرّضين ذواتهم في كل دقيقة لأحمال فيروسية كُبرى، يخاطرون في كُل لحظة عمل وتماس مع مشتبه أو إسعاف لمريض أن يجد هذا الفيروس المجهري طريقه إلى أجسامهم في غفلة من دفاعاتهم الوقائية، ليشفى منه من يشفى، ويسقط البعض شهداء لهذا الواجب النبيل، تاركين خلفهم أفراد أسرهم مكلومين، ورُبما وضعهم اتصالهم المُباشر بهم في دائرة التهديد بالإصابة، وإذ أدعو اليوم إلى رد الجميل لأسماء هؤلاء الشهداء وسيرهم، أتصوّر أن يكون ذلك في صورة صندوق لدعم أسر شهداء القطاع الطبي، وإيصال حزمة من الرسائل لذويهم لعل في مقدمتها التقدير والعرفان.

أهم رسالة قد يبثها صندوق شهداء القطاع الطبي هي ذاكرة المملكة النبيلة، فالمملكة لا يمكن أن تنسى تضحيات أبنائها في أوقات الشدة والأزمات في كل القطاعات وعلى اختلاف المهمات التي قاموا بها لحماية المواطنين، أو تدبير احتياجاتهم، أو رعايتهم في أوقات الوهن والمرض، كل التضحيات فارقة، وكل الجهود مقدرة، وستبقى عالقة بالأذهان، ففكرة إنشاء الصندوق أشبه ما تكون بإنشاء صندوق شهداء الواجب، المقدرة تضحياتهم على جبهات القتال وفي سبيل أمن أبناء الوطن، ويبذلون الشهادة في سبيل ذلك بشجاعة منقطعة النظير، الأطباء والعاملون في المجال الصحي كذلك، باتوا معرضين لتقديم التضحية ذاتها وبذل الحياة الغالية، وربما مستقبل مهني مشرق وأحلام براقة، لكي يسترد آخرون عافيتهم ويعودوا إلى أسرهم سالمين من آثار كوفيد -19 القاتلة.

ولا بد أن نقيم عائد الصندوق على النحو الصحيح، فلا يمكن اعتبار ما يقدمه لذوي الضحايا بمنزلة تعويض، إنما هو لفتة امتنان ومحبة وتضامن يتبادلها الأخوة تعبيرًا عن جل التقدير والعرفان للبسالة النادرة والصمود المشرف في وجه كارثة إنسانية لم يتوقع أحد أن تزلزل أركان العالم كما فعلت وتفرق الأحباب وتُدمي القلوب.