بفضل كورونا، أصبحنا نعتمد على أنفسنا في إنجاز عديد من الأمور، التي لم يكن أحد منا يتخيل أنه سوف ينجزها بنفسه، أو بالتعاون مع أحد من أهل بيته. من هذا المنطلق أصبح بعض الناس يتولون حلاقة شعورهم وتصفيفها والعناية بها دون الاعتماد على محال الحلاقة وتصفيف الشعر، للرجال والنساء، بعد قرار وقف صوالين الحلاقة عند العمل مؤقتًا.

هذه المحال كانت تأخذ من زائريها مبالغ عالية، خاصة إذا كان من يزورها يعتبرها من لوازم الشياكة، لذلك لا يمضي أسبوع دون زيارة لمحل الحلاقة وتصفيف الشعر. ولأنه كما يقول المثل رب ضارة نافعة، فقد كان الدخل عاليًا في هذه الأزمة على باعة لوازم الحلاقة، فما كانوا يحققونه في سنة، حققوه مع هذه الأزمة في شهر، لذلك يحدونا أمل كبير في أن تتقلص محال الحلاقة وتصفيف الشعر، خاصة أن بعضها بات ناشرًا للأمراض والجراثيم، رغم ما تقوم به البلديات من جولات عليها. لقد سافرت كثيرًا ولم أرَ انتشارًا لمثل هذه المحال، مثلما هو في شوارعنا أو أحيائنا.

أما الحرفة الثانية فهي إقبال عديد من الشباب على تعلم الطبخ، خصوصًا الكبسة التقليدية والهامبرغر والستيك، وكلها وجبات كان يتم إحضارها جاهزة في معلبات أنيقة، والوجبة الواحدة منها تعادل تكلفتها ما يصرف على وجبة أسرية كاملة، ومع لجوء الشباب إلى تجهيز وجباتهم المحببة في المنزل لوحظ على كثير منهم انخفاض ملحوظ في الوزن، ليس من قلة تناول الطعام، وليس لأنهم يطبخون كميات محدودة، ولكن ببساطة لأنهم يجهزون وجباتهم بلحوم وزيوت ومواد جيدة وليست تجارية كما حال بعض المطاعم التي تغلب الروح التجارية فيما تقدمه للزبائن، خصوصًا أن بعض هذه المطاعم تلجأ في تجهيز الوجبات إلى زيوت متدنية أو ضعيفة الجودة.

كما أسهمت هذه الأزمة في اعتماد بعض السكان على أنفسهم، في القيام بأعمال الصيانة المنزلية الخفيفة، مثل السباكة وتسليك الأحواض وتنظيف المكيفات والمسابح، خصوصًا أن كثيرًا من أرباب الأسر باتوا يتحفظون على إدخال عمال الصيانة إلى منازلهم خوفًا من العدوى! حتى المناسبات التي كانت تستنزف نسبة عالية من دخل الأسر خفت أو اختفت، خاصة أن زياراتنا المنزلية تختلف عن الزيارات المنزلية في أي مكان في العالم، فعند ترتيب أي زيارة أو مناسبة يتم الاتصال بالمطاعم، وبعض الأسر تتصل بالمحال الخاصة بتجهيز الوجبات وما يلزمها من أدوات المائدة، مبالغ طائلة تُصرف على ولائم يكون مصير أغلبها حاويات البلدية، مع الأسف الشديد.. هذه الجائحة أصابت من يقدمون هذه الخدمات، ووفرت المال والجهد على من يلجأون إليهم!

ويبقى القول إن هذه الخلوة الإجبارية استغلها بعض الناس أحسن استغلال، فأنجزوا أعمالاً كبيرة كانوا يتوقون إلى إنجازها في الأيام الخوالي، ومنعتهم الظروف الاجتماعية والوظيفية من إنجازها، أجارنا الله وإياكم، ورفع عنا الهم والغم الذي بات يتلبسنا كلما هممنا بلقاء أو حوار أو خروج للشارع!