هل يخطط الإنسان لمساره المهني بدقة أم تتوفر ظروف وفرص وصدف تساعده على العمل في مجال لم يخطط له؟
في زمن مضى، ربما كانت الوظيفة الحكومية مطلب الجميع أو الخيار الوحيد حتى كان يمكن القول: إن الوظيفة للموظف، ثم تغيرت الظروف وأصبح الموظف للوظيفة، وأصبحت فرص العمل أكثر من السابق مع وجود فرص عمل في القطاع الخاص.
الاختيار الوظيفي في الماضي كان يرجح العمل في القطاع الحكومي لعدة أسباب من أهمها الأمن الوظيفي والمكانة الاجتماعية.
مؤلف كتاب "الفوز" جاك وليش له رأي يقول فيه: إنه كلما سأل كثيراً من الناجحين في أعمالهم عن الوظيفة الأولى كانت الإجابة هي الضحك. لماذا؟ خذ مثلاً، مدير تنفيذي كان يتطلع أن يكون بروفيسوراً في التاريخ، لكن هذا التخطيط المهني تبخر حين ترك المدرسة والتحق بالبحرية لسنتين ثم ست سنوات عمل فيها في محل بقالة. ويورد أمثلة أخرى من هذا القبيل ليؤكد أن كثيراً من الناجحين لم يخططوا مسبقاً لمسار مهني معين، ويصل إلى نتيجة مؤداها أن من المستحيل أن تعرف إلى أين ستأخذك أي وظيفة؟ ويعلق بطرافة على من يتبع خطة دقيقة لمساره المهني فينصح بعدم الجلوس معه على طاولة العشاء لأن حديثه سيكون مملاً.
هذا الرأي لا يتفق مع من قرر أن يكون طبيباً فالتحق بكلية الطب، أو مهندساً فالتحق بكلية الهندسة، أو طياراً، أو محامياً.. إلخ. صحيح أنه توجد أمثلة على دخول الإنسان في مسار مهني لم يكن يخطر له على بال، وصحيح أيضاً أن عدداً من الناجحين لم يتبعوا خطة دقيقة لتحقيق النجاح. والصحيح أيضاً وجود من يختار مجاله ومساره المهني أو الأكاديمي. لا يمكن التعميم في كلا الحالتين.
من واقعنا المحلي أعرض لمثالين يرويهما الشيخ محمد بن إبراهيم الخضير في كتابه الصادر حديثاً بعنوان "رحلة بين قرنين"، يقول: جاءني شاب في الجمعية الزراعية يريد مني التوسط له عند إحدى المؤسسات لتوظيفه، فعرضت عليه أن يعمل في ورشة الجمعية متدرباً بأجر لن يقل عما سيحصل عليه في الوظيفة التي يسعى للحصول عليها، وبعد فترة سيتمرس في العمل ويكون رئيساً للورشة ثم يستقل بورشته الخاصة ويصبح رجل أعمال يكسب آلافاً وربما الملايين. وبعد أن فرغت من نصيحتي ظاناً أنه يتمعن فيما أقول، إذا به يسألني عقب صمته وإنصاته متى سأتوسط له؟!
المثال الثاني عن شاب آخر عرضت عليه أن يدير مشروعاً للدواجن اشتريته بعد أن واجه صاحبه بعض العثرات. هذا الشاب كان قد تعين للتو في وظيفة حكومية، قلت له: إن هذا العمل يحتاج إلى تفرغ، وفي الغد جاءني بعد أن قدم استقالته من عمله وهو اليوم من كبار رجال الأعمال.
وهكذا فلكل حالة ظروفها ومسبباتها، وهذا لا يلغي أهمية التخطيط للمسار المهني، فإن حصل تغيير في الخطة فهذا دليل مرونة، والمرونة في هذا الشأن أمر إيجابي.
التعليقات