باعتباري باحثة في القيادة النيوكارزمية منذ العام 2007 وألفت فيها كتابين بالإضافة إلى الأبحاث العلمية المنشورة فإني أعرفها بأنها: "سلوك قيادي مؤثّر في الأتباع ومندرج تحت مجموعة من الأدوار ويتبع رؤية مثالية مميّزة بإيثار ومرجعية أخلاقية". والأدوار التي نتحدث عنها تظهر في مستويات متعددة من القيادة ابتداء من المبادرات الفردية الاجتماعية إلى التخطيط الاستراتيجي التنفيذي. واليوم أود أن أركز على دور مهم من هذه الأدوار العشرة وهو دور تقييم البيئة.

التقييم في أبسط أشكاله هو وضع قيمة للتنظيم وعملياته ومخرجاته الحالية باستخدام مؤشرات الأداء، وعدد من القراءات للبيئة المحلية والعالمية والداخلية والخارجية التي تؤثر على العمليات والمخرجات. هذه القراءة في المستوى الاستراتيجي المشار إليه ليست عملا يتم في أسبوع أو شهر أو سنة ويتوقف، بل هي عملية مستمرة تتطلب لجنة مخصصة أو قسما كاملا معدا لهذه القراءة يتناسب مع حجم التنظيم ووظائفه وخدماته التي يقدمها. بل ويتعدى ذلك إلى الاستعانة بخبرات خارجية وداخلية في التنظيم تتيح الشمولية والتكامل المطلوب، لا يعني ذلك استقصاء الخبرات الداخلية وإنما وضعها لتكون جزءا من المقدم للخدمة الخارجي بحيث تكون وصلة المعلومات والأبحاث والمناقشات والاتصالات المستمرة، وبحيث يكتسب المستشار الداخلي للتقيم خبرات متعددة من العملية الاستشارية ليقوم بالتنفيذ وإدارة التغيير بعد تسليم التقييم.

وتتطلب هذه الشمولية قيادة تتسم بالقدرة على إدارة التقييم ومراقبته على عدد من المستويات وفي أبعاد متعددة. ومن خلال خبراتي في التوجيه القيادي فإن القادة الذين قاموا بمثل هذه التحوّلات الشاملة، فعلوا ذلك أحيانا في أوقات أزمات تستدعي السرعة في الإنجاز وحركوا فرق عمل داخلية وخارجية بشكل يسمح لهذه الفرق باختراق المعتاد من الأنظمة والإجراءات ليصلوا إلى المعلومات والبيانات والتجارب والخبرات المتاحة للخروج بأفضل الخيارات.

ويصحب هذا الدور دور آخر وهو، "تحسّس احتياجات الآخرين" داخل التنظيم وخارجه وهو الدور الثاني ولسنا بصدد التوسع فيه ويكفي أن نقول إن كلا الدورين ينتج عنهما دور ثالث يتضمن اتخاذ القرار، وهو دور "تحدّي الواقع". هذا الدور ليس مجرد عشوائية تجريبية في ثوب جديد، وإنما نابع من ثقة القائد بأن الدورين الأوليين غذّيا القرار الناتج وأن بإمكانه إثبات نجاحه، وهو بذلك يخاطر ويغامر حيث يرى ما لا يرون ببصيرته القيادية النّفّاذة.

هذه الأدوار الثلاثة تشكل المرحلة الأولى من مراحل القيادة النيوكارزمية والتي تسبق أي تحرك في أرض الواقع وهي صمّام أمان وثقة في القيادة التي لم تترك وسيلة إلا واستخدمتها لدراسة الواقع أثناء التعامل مع الأزمة بكل هدوء وتماسك قبل إعلان القرار.